: آخر تحديث

المُطفِّفُون بالعلاقات الأسرية

7
6
5

علي الخزيم

- مرض اجتماعي (مُقِيم ما أقام عَسِيبُ) ذلكم أن أقوامًا يَقيسون صِلَة القُربى والرحم والنسب بقياس عجيب غير منطقي ولا شرعي؛ ولا يَتَّسِق مع المبادئ والمثل العربية العريقة الراسخة التي لا تفتأ تدعو للوئام وحسن الصحبة وتقوية أواصر الرحم، فمرتكز الحديث هنا عن أولئك الذين إذا رضوا عنك عاملوك بأدنى معايير الرضا وكفى! وإن هُمُوا حَسَبُوا عليك مَثلَبَة؛ أو ما لا يُرضي نفوسهم عنك ولو لم تكن على خطأ بالمفهوم العام والعُرف السائد: كانوا لك كالأعداء الشامتين المُبغِضِين؛ بل ويؤلبون عليك أبناءهم والإخوان والصِّحاب، وهذه - وأيْم الله - مَسَبَّة وعيب ونقيصة تلصق بهم دنيا وآخرة.

- و(المُطفِّفون) هم مِمَّن توعدهم المولى سبحانه بالعقاب لتهاونهم بحقوق الآخرين، والمُطفف باللغة: المُقَلِّلُ حَقَّ صاحبِ الحقِّ عَمَّا لَهُ من الوفاء في كيل أو وزن؛ وهو يشمل انتقاص الحقوق كافة، فمن طفف ونقص حق الأخوة والقرابة؛ أو أي إنسان يتعامل معه بأي مجال فهو مِمَّن قد يلاحقهم الذنب؛ وعقابه وحسابه عند من لا تضيع عنده الحقوق سبحانه، وليس من الذكاء القياس بمعايير متباينة بالتعامل مع غيره سواء الأقارب أو غيرهم، وليَعلم المُتذاكي أن أمره مكشوف لا محالة لأنه يعيش وسط مجتمع عقلاني متسامح، يملك التجارب والخبرات، ولديه من العقل أفضل مِمَّا لدى (الشاطح) المُطفِّف بقرابته.

- ومن طبائع الأمور ومُسَلَّماتها ألَّا تخلو الحياة بين الأهل والأقارب من المُنغصات وشوائب العلاقات؛ غير أن الفائز عُرفًا وشرعًا هو ذلكم الذي يرتقي بأخلاقه ويسمو بأفكاره فينبذ كل شائبة ويبتعد بعلاقته الطيبة عن كل ما يلوث ارتباطاته ووشائجه الأسرية والاجتماعية بصفة عامة، فمن شِيم العرب التي ما زالت فخرًا لهم وقَبَسًا لغيرهم: صدق التآخي؛ ونقاوة الرفقة؛ ولطف المعشر؛ والتّرفع عن الزلات؛ والتغاضي عن بسيط الهَنَّات؛ وتوقير الكبير؛ والعطف على الصغير؛ والرفق باليتيم؛ وغيرها من سجايا حميدة ما إن تمسكنا بها سنكون - بعون الله - من خيرة القوم المُتطهرين من دنس ودونِيّة العلاقات المُتذاكِية (وغثاثتها).

- للشاعر محمد بن عمران الضبي (أديب لُغَوي صاحب نوادر وملح):

(وما المرءُ إِلا بإِخوانهِ

كما تقبضُ الكفُّ بالمعصمِ

ولا خيرَ في الكفِّ مقطوعةً

ولا خيرَ في الساعدِ الأجذمِ).

هكذا كانوا؛ وقد بلغوا من العلم والمعرفة؛ وحازوا شرف الاطلاع على أخبار السلف ومفاخرهم وأمجادهم فلم تلوثهم نعرات الكِبر والتعالي؛ ولم تثنِهم ذخيرتهم العلمية الوفيرة عن التواضع للأهل والأقارب؛ وحسن التلطف والتقرب للأخوة وأفراد الأسرة؛ وكل من تربطهم بهم روابط الحياة والمعيشة؛ ومع الناس كافة، هؤلاء هم الكبار بعقولهم كلما تراكمت حصيلتهم الفكرية زادتهم نورًا ورُقِيًا، إذًا ما بال أقوام - من صلفهم وجهلهم - يُصعّرون خدودهم ويشمخون بأنوفهم غرورًا وسَفَهًا أمام أقاربهم وأهليهم؟! والأنكى ذلكم العائل المستكبر.

- ومن البلاهة أن يألف المرء سماحة وحِلم من يُهمل جميل التواصل معهم ويتنكّر لروابط قرابتهم؛ وقالت العرب: (أرفع الناس قَدرًا من لا يرى قَدره، وأكثرهم تواضعًا من لا يرى فضله، وأحبهم إلى الله أنفعهم للخلق)؛ وقالوا: (والحِلمُ عن قُدرةٍ ضربٌ من الكَرمِ).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد