منذ تطبيق سياسة «الفوضى الخلّاقة» الأمريكية في دولنا، كما جاءت بشكل عملي دراماتيكي في تلك التسمية المزيفة «الربيع العربي» وإلى يومنا هذا، ونحن نواجه مصائرنا المحتومة في دولنا، حيث التحول من شعوب إلى قبائل وجماعات متناحرة، مكرّرين ما قامت به الحملات الغربية، التي انتهت إلى استعمارنا منذ سقوط الأندلس.
يُنسينا الغرب ـ مُتعمْدًا ـ أن كل المجتمعات تتكون من مجموعة أقليات.. صحيح قد تطغى إحداها على غيرها، فتغدو أكثرية، أو تصبح بعدتها؛ رغم صغر عددها، قوة متحكمة في السلطة والمجتمع، لكن هذا لا ينفي أن المجتمعات هي: عبارة عن جماعات وقبائل إما متعاونة، أو متصارعة، أو بين ذلك، والحال تلك كانت موجودة في دول الغرب على أساس عرقي ومذهبي وعقائدي وعنصري إلى وقت قريب، بل إن بعضها لا يزال مُتخوِّفاً من جماعات ضغط قوية تهدد السلم العام لأسباب كثيرة، بما فيها ثقافية واقتصاديّة.
على خَلفيَّة هذا، لا يمكن لنا اليوم نًفْي وجود اختلافات بيّنة بين الجماعات والطوائف المختلفة داخل كل دولة عربية، لكن تظل - أو هكذا يفترض - مدخلا للتنوع والثراء وليس الاقتتال، والتسليم بوجودها يعدّ فلا حضاريّاً، ودينيّاً أيضا، والوضع الحالي في«السويداء» بما فيه من اقتتال، وتهور داخلي، وتدخل عسكري إسرائيلي ـ وهو جزء من الوضع السوري العام، الذي تعيش دولته - حالة من العبور إلى ضفة الأمان، علينا النظر إليه من زاوية التعدد والتنوع، الذي يقتضي التعاون وليس الاقصاء.
السويداء اليوم هي منبع لأخبار صادقة أو كاذبة يتابعها السوريون عن قرب بألم وحسرة، ومعهم كثيرون من إخوانهم العرب، ويخافون تبعاتها محليّاً وإقليميّاً، وقد دخلت أتون حرب، تودُّ إسرائيل أن ترمي بشررها على المناطق السورية كلها، بحيث يعمُّ الخراب بأوجه شتى من الصراع، عرقي: بين عرب وأكراد ودروز وغيرهم، وديني: بين مسلمين ومسيحيين، ومذهبي: بين سنة وشيعة ودروز موحدين، ولجميع هؤلاء امتداداتهم الخارجية، بحيث لم تعد تسعهم الأرض السورية، وإن تقاتلوا عنها ومن أجلها، كما لم تعد قيم التعايش والتسامح والأخوة مشتركة بينهم على النحو الذي كان واضحاًَ في محطات بعينها من تاريخ سوريا القريب.
لا أقدمُ وصفاً للحالة السوريّة هنا، ولا اتَّخذ من التحليل أسلوباً لإظهار فهم خاص للأحداث، فهي أكبر من أن تفهم بيُسْر كما هي كل الحالات العربية، إنما الذي يعنيني وأحسب أنه يهم كثيرين غيري، هو الإقرار والاعتراف بأن الدُّروز الموحدين منَّا، ولا يمكن أن يكونوا جزءاً من إسرائيل، حتى لو أراد بعض من قادتهم ذلك، وسعوا إليه، وأيضا حتى لو كان بعض منهم يعيش اليوم في كنف الدولة الصهيونية مختاراً أو مُكرهاً، وتاريخهم المجيد يقدم شهادة حيَّة على انتمائهم العربي، وإسهامهم الحضاري في تطور أمتهم؛ ما يعني أن أيَّ عداوة لهم هي عداوة لكل ذات عربية واعية.
على هذا الأساس، تبدو مجريات الأحداث القتالية في السويداء هي نتاج محاولة تطويع الدروز لمشروع جذب من السلطة الشرعية الجديدة في دمشق، أو محاولة التفرد بحياة متميزة على بقية الشعب السوري كما يسعى إليها بعض القادة الدروز، أو تجاوب مع تدخل خارجي عبر العمل العسكري من جهة، ومن خلال وعود كاذبة لقيادة دمشق في سياق محادثات سرية وأخرى شبه علنية مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أو بدغدغة مشاعر الدروز من طرف إسرائيل لحمايتهم عبر ما يسمى الأخوة أو «التضامن».
وكل تلك الحالات ـ على ما فيها من مكر ودهاء وضبابيَّة ــ لن تَحُول دون إصرارنا على أن الدروز منا، ليس فقط بمعنى الحضور في الجغرافيا العربية عبر مناطقهم المحتلة في سوريا ولبنان وفلسطين، وإنما من خلال وجودهم في التاريخ العربي قادة فاعلين، أفشلوا كل مشاريع الاستعمار القديم والحديث.. إنهم منا ونحن منهم، حتى لو رفض بعض السفهاء منّا ومنهم ذلك.