: آخر تحديث

النجاحات العابرة.. و"نظرية الألعاب النارية"

3
3
3

يُستخدم مصطلح «تأثير الألعاب الناريَّة» (Firework Effect) على نطاق واسع في مجالات التخطيط الإعلامي والتسويق، وكذلك في نقاشات القوَّة الناعمة وغيرها، باعتباره استعارة دقيقة لوصف طبيعة بعض المشروعات والحملات والأحداث. فكما تُبهر الألعاب الناريَّة الأبصار؛ وتخطف الانتباه بضجيجها وألوانها الزَّاهية، دون أنْ يدوم أثرها سوى للحظات، قبل أنْ تتلاشى، تاركةً السماء خاويةً بلا أيِّ أثر حقيقي، كذلك الحال في سياق القوة الناعمة والحملات الإعلاميَّة، حيث يُطلَق هذا المصطلح على المشروعات التي تُحدِث صخَبًا وضجةً إعلاميَّةً مؤقتةً، (فرقعات آنيَّة)، لكنَّها تفتقر إلى الأثر الإيجابي المستدام على صورة المنظَّمة، أو الجهة المعنيَّة، وغالبًا ما تتَّسم هذه المشروعات والحملات بارتفاع تكلفتها، وضعف عائدها الاستثماري على المدى الطويل.

ففي عالم يعجُّ بالإيقاع السريع، والتقييم اللحظي للإنجازات، بات من السهل أنْ تتحوَّل النجاحات الظرفية العابرة إلى عائق للتطور، وأوهام خادعة بالاستحقاق والتفوق، وعامل للتراجع عند أول اختبار حقيقي. فبينما يُفترض أنْ تكون تلك الإنجازات الإيجابية محفِّزًا للمزيد من العمل والجهد، فإنَّ لها وجهًا آخرَ سلبيًّا حين تُغري بالتَّراخي والاحتفال المفرط المبكِّر، والاعتقاد الخاطئ بأنَّ ما تحقق هو مؤشر على بلوغ القمَّة، وتحقيق الحد الأعلى للطموح، وليس مجرَّد خطوة أولى لطريق طويل مقبل مليء بالتحدِّيات.

ومن أقرب الأمثلة التي تحضرني (رياضيًّا) بهذا الخصوص، تلك التي تلت فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين في كأس العالم في قطر عام 2022، وأيضًا تلك التي تلت فوز نادي الهلال على مانشستر سيتي ضمن بطولة كأس العالم للأندية.

فبينما لا يختلف اثنان على أنَّ هذين الانتصارين كانا مدعاة للفرح والفخر والثناء المستحق، بكل ما يحمله ذلك من معنى، إلَّا أنَّ الأهم هو ما بعد الانتصار، حيث كان عمر الفرح بكلٍ منهما قصيرًا للغاية، وينطبق عليه وصف «انتصار عابر» بنمط «تأثير الألعاب الناريَّة» سريع الزوال. مثل هذه النجاحات لا تبني مجدًا يُنقَش للأبد في الذاكرة، ما لم تُبنَ عليها سلسلة نجاحات متتالية، وسياسات استدامة، وتقييم صادق وصارم ومستمر للأداء.

ومن العوامل الجوهريَّة التي تجعل ما يُسمَّى «تأثير الألعاب الناريَّة» يتكرَّر في الدبلوماسيَّة العامَّة وغيرها، غياب برامج ومعايير فعَّالة لتقييم الأداء. فحين لا توجد آليَّات منهجيَّة لقياس الأثر الحقيقي لأيِّ مبادرة، ولا تتم مراجعة النتائج مقارنة بالأهداف المعلنة، يصبح النجاح اللحظي هو المؤشر الوحيد في الواجهة، حتى لو كان مضللًا. ومع الوقت، تتحول النجاحات المؤقتة إلى غاية بحد ذاتها؛ بدل أنْ تكون وسيلة للبناء، ويغيب التركيز على استدامة الأثر وتعظيم العائد من الجهود المبذولة. إنَّ التقييم الصارم والشفاف هو ما يضمن أنَّ كل إنجاز يُصبح نقطة انطلاق لخطوة أكبر، لا مجرَّد لحظة لامعة في سجل الذكريات.

خلاصة القول، لا يقاس النجاح في الدبلوماسية العامة أو الإعلام أو أي مجال آخر، بوهج اللحظة أو حجم الضجيج الذي يُرافقه، بل بقدرته على ترك أثر إيجابي مستدام، وتعزيز الصورة الذهنية على المدى الطويل. فـ»تأثير الألعاب الناريَّة» يُذكِّرنا بأنَّ الانبهار الآني قد يكون مضللًا، وأنَّ غياب معايير التقييم، وضعف الرقابة، وغياب الدور الحقيقي للعديد من وسائل الإعلام، وسيطرة العاطفة على التحليل، كلها عوامل تُحوِّل الإنجازات المفاجئة -مهما عظمت- إلى فرصٍ ضائعة.. فالرهان الحقيقي لا ينبغي أنْ يكون على ما يلمع للحظة ثم يزول، بل على ما يشع ضوءًا منيرًا مستدامًا، ومرشدًا حقيقيًّا للبناء والتقدُّم والتطوير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد