: آخر تحديث

الكتاب المسموع... يا زمان الوصل!

3
3
3

حين كان القرص المُدمج المعروف باسم «سي دي» هو الثورة الأحدث في وسائط الحفظ والسماع والمشاهدة، أتذكّرُ سلسلة بديعة من هذه «السي ديهات» أنتجتها (هيئة أبوظبي للثقافة والتراث) قبل نحو 15 عاماً، ضمّت روائع من كتب التاريخ والأدب والفنون والفكر، على رأسها سلسلة «مختارات من شعر أبي الطيّب المتنبّي» في 14 جزءاً، بإلقاء الفنّان المُبدع عبد المجيد مجذوب الذي أضفى على شعر أبي الطيّب خلوداً فوق خلوده، من خلال إتقانه البارع لفصحى المتنبّي، وأي فُصحى تلك؟! ومن خلال تلوين صوته المسرحي لمشاعر الشعر... زان ذلك كلّه التقديم الرقيق والعميق لـ جمانة النونو.

تتابعت الإصدارات بهذه السويّة الراقية مثل: البُخلاء للجاحظ، وطوق الحمامة لابن حزم، وأيضاً روائع أجنبية مثل: قصة الحضارة لـ ويل ديورانت.

للأسف، توقّف هذا المشروع الثقافي الرائد الذي وُلد قويّاً، لأسبابٍ أجهلها، حتى قرأتُ هذه الأيام إعلان «مركز أبوظبي للغة العربية» عن خطة طموحة لرقمنة إصداراته، بالتعاون مع كبريات المنصات الرقمية التي يستخدمها ملايين القراء حول العالم.

جاء في تفاصيل الخبر أن المركز حوّل مئات العناوين المختارة، المؤلَّفة بالعربية، أو المترجمة من لغات العالم، في مختلف مجالات المعرفة، إلى صيغ رقمية وصوتية، أحدثها «الفتى القادم من بغداد» لناظم الزهاوي، والمجموعة القصصية «بيت الحكايات»، و«وما زال الشغف» لعلي عبيد الهاملي، إلى جانب كتاب «الطيور»، لجيرمانو زولو، الذي أدرج ضمن قوائم الأكثر مبيعاً.

كما أن الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، ذكر أنهم استفادوا من التجربة السابقة لأبوظبي. وأن المركز تعاون مع كبريات المنصات الرقمية التي يستخدمها الملايين حول العالم، لإنجاح عمليات التحويل الرقمي، وضمان سهولة وصول القرّاء إلى الكتب المتنوّعة في مختلف المجالات، ومنها منصة «أمازون»، و«أوفر درايف»، و«غوغل بوك»، و«أبل بوك»، و«كوبو»، و«نيل وفرات»، و«ستوري تيل»، و«اقرأ لي»، و«أنغامي»، و«سماوي»، و«ألف كتاب وكتاب».

الحال أن سلوك القراءة متراجع في عالمنا العربي، وهو أصلاً لم يكن بحال جيّدة، قبل هبوب الرياح العاتية للسوشيال ميديا، التي زادت الطين بِلّة.

مرّة قال لي واحد من نجوم الدعاة «الكول» وأحد المثرثرين بكثرة عن التطوير الذاتي، إنه لا يقرأ الكتب مباشرة، بل يكتفي بما يراه من ملخصات، وتفاخر مرّة وزير عربي هُمام، وهو في معرض الكتاب، بأنّه لم يقرأ كتاباً في حياته!

القراءة تضيف لك خبرات ومعارف، وتفتح لك قنوات التفكير، وتصنع لك احتمالات جديدة، وتثري لغتك، وتُغني عاطفتك، وتعمّق عقلك. باختصار، تسافر بك لاكتشاف المزيد عنك من خلال عقول وعواطف ومعارف الآخرين.

القراءة شيفرة الحضارة، وبما أننا في زمنٍ لم يعد فيه الكتاب يُقرأُ بالشكل المألوف، فليُذهب إلى مستهلكي السوشيال ميديا بما يألفون... هذا ليس نشاطاً خيرياً، بل فعلٌ وقائي من الجهل وعواقبه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد