: آخر تحديث

أعياد الفراعنة

6
5
4

عندما زار المؤرخ اليوناني هيرودوت مصر في نحو 500 قبل الميلاد، وصف مصر بأنها بلد الأعياد والاحتفالات، وقال في ذلك: «ما يكاد ينتهي عيد في مقاطعة مصرية أو في مدينة من مدنها حتى يبدأ عيد آخر في مقاطعة أخرى أو في مدينة ثانية».وفي الحقيقة، فإن الفراعنة كانوا من أكثر الشعوب حباً للحياة والبهجة، حتى مقابرهم ومعابدهم زينوها بصور مبهجة تدعو إلى الاستمتاع بالحياة. وغير الأعياد الدينية كانت الأعياد الملكية يتم الإعداد لها جيداً، وكان عيد الجلوس على العرش من أشهر الأعياد الملكية في مصر القديمة، حيث كانت تجري في هذا العيد طقوس متوارثة لآلاف السنين. يكون فيها الملك على رأس موكب الاحتفال يحمل فيه الكهنة تماثيل للفراعنة مينا ومنتوحتب الثاني وأحمس الذين وحدوا البلاد وبدأوا عصور نهضتها الكبرى، وتنتهي بجلوس الملك على العرش وإعادة تتويجه.

والهدف من هذا العيد هو الاحتفال بدوام وحدة البلاد تحت ولاية الملك. وكان هناك عيد مشابه يسمى عيد تجديد الملكية «حب سد»، ومراسم احتفالاته لا تزال غامضة بعض الشيء. وتبدأ مراسم العيد بدخول موكب الملك الذي يتوجه إلي المقاصير الخاصة بأرباب أقاليم الجنوب ليأخذ الموافقة منهم على تجديد حق الجلوس على العرش. بعدها يتوج الملك بالتاج الأبيض الخاص بالوجه القبلي. ويكرر الاحتفال من جديد بالنسبة لأرباب أقاليم الشمال أو الدلتا ليتوج الملك بالتاج الأحمر. وينتهي الاحتفال بطقس يرمز إلى اتحاد مملكتي الشمال (الدلتا) والجنوب (الصعيد)، وذلك بربط زهرتي اللوتس والبردي معاً حول وتد مثبت في الأرض، ثم يقوم الملك بشعائر عدة أمام تماثيل الأرباب، وفي كل مرة يلبس رداءً معيناً، ويقبض بيده على شارات مختلفة. وينتهي هذا الطقس بأن يطلق الملك سراح ثور قوي ثم يجري خلفه ليسيطر عليه ويلف أنشوطة حول قرنيه. كان عيد السد يستمر لأيام، ويحضره الناس من أرجاء البلاد كافة لتقام الولائم في القصور.

اهتم فراعنة الدولة الحديثة بتنظيم أعياد ومواكب النصر بعد عودتهم من حملاتهم العسكرية فيقدمون القرابين في المعابد جزاء ما حققوه من انتصار على الأعداء. ويقومون بتكريم قواد الجيش وكبار الموظفين، وكذلك الجنود الذين أظهروا شجاعة في القتال بإعطائهم الأوسمة الذهبية، وكان أسمى وسام هو وسام الشجاعة على هيئة ذبابة من الذهب الخالص. وكان الاحتفال يتم بموكب كبير تتقدمه العجلات الحربية وعربة الملك وهو في قمة أناقته. ويقف في استقبالهم رؤساء الكهنة وكبار رجال الدولة بين هتاف الشعب الذي يلقي باقات من الزهور على الموكب. وفي أعياد النصر كانت تقام الولائم الفخمة، وتوزع فيها أنواع من الحلوى والفطائر المحلاة بالعسل والفواكه.

كان لهذه الاحتفالات أثرها الفعَّال في بث روح الفخر في الجنود المصريين ورفع الروح المعنوية للشعب. ومن أشهر أمثلة هذه الأعياد؛ الحفلات الكبرى التي أقيمت ابتهاجاً بانتصار تحتمس الثالث في موقعة مجدو الشهيرة، وتحطيم حصون العدو بعد حصار دام لشهور عديدة. كذلك أعياد النصر التي أقيمت بعد معركة رمسيس الثاني في قادش، والتي حدثت بها الموقعة الكبيرة بين المصريين وجيوش الحيثيين والمتحالفين معهم. وانتهت بانتصار رمسيس الثاني، أشهر ملوك الفراعنة المحاربين. وسجلت وقائع موقعة قادش بكل فصولها وأحداثها على جدران معابد الكرنك والرامسيوم وأبو سمبل، وغيرها من المعابد التي شيدها رمسيس الثاني في طول البلاد وعرضها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد