: آخر تحديث

ضرب الطفل في مجتمعاتنا

2
2
2

يختلف تعريف «الطفل» باختلاف الدولة، ووفق بنود اتفاقية حماية الطفل الدولية، هو كل من لم يبلغ الـ18، ما لم يعتبر قانون دولة ما «سن الرشد» أقل من ذلك. وهذا يعني تمتع الطفل بمجموعة من الحقوق والحماية والرعاية التي يحتاجها من في سنه، من خلال إدراكه لكل ما يجري من حوله، وهذا الإدراك هو البوابة الأولى التي يدخل منها الطفل إلى عالم المعرفة والمهارات. وكلما كان التكامل الحسي فعالاً، كان الطفل أكثر قدرة على التعلم، والتكيف، والتطور في جميع الجوانب الجسدية والعقلية والاجتماعية، ولكن هذا يتطلب توفير العناية النفسية والجسدية للطفل، التي لا يعرف الكثيرين عنها إلا القليل، ففي «ثقافتنا» (إن صحت الكلمة)، يتطلب الأمر ضرب الطفل إن قصّر أو تقاعس عن أداء واجب ديني، مثلاً، وهذا بحد ذاته أمر معيق لنموه، ويفترض أنه مخالف لحقوقه كإنسان، لعجزه التام، غالباً، في الدفاع عن نفسه، بخلاف التأثير البالغ السوء على نموه ونفسيته، وكامل مستقبله، لذا لا تتردد الدول المتحضرة عن معاقبة الأب أو الأم أو المدرس، إن ضرب الطفل بحجة التربية، أو لارتكابه خطأ ما. كما تمنع قوانينها التسبب في إيذاء الحيوان، لأن رقي وتحضر الشعوب يقاسان بمدى حمايتها للضعفاء. وقد بينت الدراسات الجادة أن عتاة المجرمين والمرضى النفسيين كانوا غالباً أكثر من نالوا الضرب في طفولتهم، وحتى من قام بتوقيع الضرب على الطفل، من أب أو أم أو مدرس، كان غالباً ضحية الضرب المبرح عندما كان طفلاً، فالتربية الصحيحة للطفل تتطلب قدرات يفتقدها الكثير، من حب وتقدير وتشجيع، وتفهم لمتطلبات الطفل وقدراته الحقيقية، والصبر عليه حتى اكتمال عقله ببلوغه سن الرشد، فقد اعتدنا، ونحن صغار، وحتى مراهقون، رؤية المدرس، و«الملا» قبله يحمل العصا، ويهدد بها الجميع. كما أن الكثيرين يهربون من التعليم بسبب عنف المدرسين، وجميل رؤية أن الاتفاقيات الدولية قضت تالياً على هذه الظاهرة المسيئة بحق الطفل، والمجتمع ككل، في بعض الدول، وأنها لا تزال باقية في أغلبية دولنا.

وقد سمعت، خاصة في السبعينيات، وما قبلها، قصصاً كثيرة عن أصدقاء عادوا من المهجر، ويقصد به الغرب غالباً، لأن المدرسة، وتالياً السلطات الأمنية، هددت بمقاضاتهم إن عرّضوا أبناءهم للضرب، أو اشتكى الأبناء للمدرسين من سوء معاملة والديهم لهم. وأتذكر جيداً عودة الصديق الراحل سليم زبال، كبير مصوري «العربي»، من أستراليا، بعد أن شعر بأن حقه في تربية بناته، على طريقته التي نشأ عليها، وهو المسيحي المتدين، سوف تكون مقيدة، فاختار العودة لجنة «الشرق الأوسط»، العربية!

وبالتالي نحن بحاجة بالفعل إلى تفعيل قوانين حماية أطفالنا، فهم ليسوا ملك والديهم، بالمعنى المجرد، بل هم ملك المجتمع ككل، فخيرهم أو شرهم سينعكس على الجميع، شاء الوالدان أما كرها.

وفي هذا السياق، يقول رجل الدين الأستاذ الأزهري، السابق، مصطفى راشد، إنه لاحظ أن الرجل «الحمش» لا يستحيي من ضرب زوجته أمام أبنائه، لكنه يستحيي من تقبيلها.. أمامهم!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد