لا يبدو أنَّ إسرائيل تعمل على إحلال السلام في المنطقة، ولا يبدو أن ما تفعله بغرض الدفاع عن وجودها في المنطقة، ولا يبدو أنها تريد التقدم في مفاوضات السلام، بل إن المجازر التي ترتكبها لا تجعل للتفاوض باباً مفتوحاً. اليوم الصورة بالنسبة إلى النوايا الإسرائيلية واضحة، وما زالت دول المنطقة تتعامل مع ما يحدث من اعتداءات إسرائيلية بهدوء وضبط النفس ومحاولة تجنيب المنطقة ويلات الحرب، وهذا أمر جيد ومطلوب في كل وقت. العمل الدبلوماسي مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى، فالخطابات المنفعلة والخارجة عن سياق السلم والسلام لن تصنع حلاً. كل رؤساء الدول في المنطقة يقدمون الحلول السلمية، ويسعون جاهدين في هذا الشأن.
الغريب، وبالرغم من كل هذه التجاوزات وحالة الصبر التي تظهر على دول المنطقة، إلا أن المجتمع الدولي لم يقدم أي تفاعل فعلي يخدم المنطقة. إسرائيل اليوم تتحرك في المنطقة في اتجاهات خطيرة وعمق غير مسبوق، وحالة ضبط النفس ما زالت سارية في المنطقة. فإذا كان هناك أنظمة دولية لا تقبل الحروب، وتدينها بكل قوة، فلماذا لم نشاهدها مع ما يحدث من إسرائيل في المنطقة؟ لماذا اليوم إسرائيل تتحرك في اتجاه دولة سوريا التي تواً بدأت تتنفس بعد النظام البائد، والتي تسعى بقيادة أحمد الشرع لإعادة الحياة إلى سوريا وشعبها؟ كنا ندرك مسبقاً أن المهمة لن تكون سهلة، ولن ينصلح حال سوريا بين ليلة وضحاها، وهي محتاجة لتعاون دولي مشترك يساعدها على النهوض، وهذا ما حدث بالفعل بعد نجاح كل المساعي الدبلوماسية في رفع العقوبات عن سوريا.
لكن إسرائيل اليوم ترفض حالة الاستقرار في سوريا، وترى أن استقرار سوريا سيشكل خطراً كبيراً على دولة إسرائيل، لهذا هي اليوم تستغل حالة البناء التي تعيشها سوريا، وعدم مقدرتها على تأمين سلاح ثقيل يجعلها دولة مهابة على مستوى التنظيم العسكري.
حديث الشرع بعد أحداث السويداء جداً مطمئن، وفي الوقت نفسه اتسم بالشجاعة وعدم التفريط في حالة الاستقرار التي تسعى لها الحكومة السورية بدعم قوي من الشعب السوري، وهذا ما أكده في خطابه بتغليب المصلحة العامة على الدخول في معترك الحروب والنزاعات الداخلية، التي مع الوقت لن تكون نتائجها جيدة، ولن تخدم مصالح الدولة وشعبها. الشرع قال: نحن لا نجهل الحرب، وقد خضنا معارك كبيرة، ولن تُعيينا الحروب، لكن هناك أهداف أهم وأنبل من الاستمرار في هذا النفق، ونحن ندرك - والحديث للشرع - أنك قد تكون قادراً على بدء الحرب، لكن لا تتحكم بالنتائج؛ وامتلاك القوة لا يعني تحقيق النصر؛ نحن السوريون تجاوزنا الأدهى والأمر.
هذا الخطاب المتزن الذي يحمل في طياته الكثير من الدلائل على أنَّ السوريين بقيادتهم يريدون السلام، وفي الوقت نفسه لن يرفعوا راية الاستسلام تحت أي ظرف. وبالتالي، يُفترض بالمجتمع الدولي أن يكون أكثر فعالية في كبح تصرفات إسرائيل. لا يمكن أن تعيش المنطقة في استقرار، وإسرائيل ما زالت تتصرف بدوافع إجرامية، وكأنها كانت تنتظر أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) حتى تجد ذريعة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة.
ما يثير استغراب المجتمع السياسي في المنطقة هو حالة الصمت الدولي على ما تفعل إسرائيل، بل إن رحلات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسية تتسم بالطابع الإيجابي الذي ينسجم مع أهداف إسرائيل، فالاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن له نتائج إيجابية تنعكس على الأوضاع في غزة ولا في لبنان ولا في سوريا.
ما زال الرهان قائماً على بعض دول المنطقة، ومنها السعودية، على محاولة ضبط النفس والسعي لأن تكون مواقفها مؤثرة في ضبط الوضع في المنطقة، والسعي بكل دبلوماسية لكي تعيد إسرائيل حساباتها، وتسعى مع الجميع لفرض السلام في المنطقة، والسبيل لهذا ميسّر، وفي غاية السهولة.