أعلنت شركة ويز إير للطيران منخفض التكلفة عن انسحابها من عملياتها في أبو ظبي وإيقاف جميع الرحلات الجوية المحلية التي تنطلق من هناك بدءًا من سبتمبر 2025، في خطوة تعكس التحديات التشغيلية والتطورات الجيوسياسية التي تواجه قطاع الطيران في الشرق الأوسط. هذا القرار، الذي وصفه الرئيس التنفيذي للشركة بأنه صعب لكنه ضروري، يسلط الضوء على هشاشة نماذج التشغيل الاقتصادي في بيئة إقليمية متقلبة، ويطرح تساؤلات حول مستقبل شركات الطيران منخفضة التكلفة في المنطقة، بما في ذلك السوق السعودي الذي كان جزءًا من توسع ويز إير خلال السنوات الأخيرة.
السعودية، التي تسعى ضمن رؤية 2030 إلى تعزيز الربط الجوي الدولي وتنويع خيارات السفر، كانت من أبرز الأسواق التي استفادت من دخول ويز إير، خاصة عبر رحلات مباشرة من أبو ظبي إلى مدن مثل الرياض وجدة والدمام والمدينة المنورة. هذه الرحلات وفّرت للمسافرين السعوديين خيارات اقتصادية للسفر إلى أوروبا الشرقية والوسطى، وساهمت في دعم السياحة الوافدة من تلك المناطق. ومع انسحاب الشركة من أبو ظبي، يبرز احتمال أن تتأثر بعض هذه الوجهات، إما بتقليص عدد الرحلات أو بارتفاع أسعار التذاكر نتيجة انخفاض المنافسة في الطيران منخفض التكلفة.
الانسحاب لا يعني بالضرورة خروج ويز إير من السوق السعودي، لكنه يشير إلى إعادة هيكلة استراتيجية تركز على الأسواق الأوروبية الأساسية، ويعكس تحديات أوسع مثل القيود على سلاسل التوريد، وغياب الاستقرار الجيوسياسي، ومحدودية الوصول إلى بعض الأسواق. هذه العوامل قد تدفع الشركة إلى تقليص طلبيتها من الطائرات طويلة المدى التي كانت مخصصة لرحلات أبو ظبي، مما يؤثر على قدرتها على تشغيل خطوط بعيدة المدى في المنطقة، بما فيها بعض الوجهات السعودية.
من الناحية الاقتصادية، فإن انسحاب ويز إير من أبو ظبي قد يؤدي إلى ارتفاع نسبي في أسعار التذاكر على بعض الخطوط التي كانت تعتمد على نموذج التسعير الحاد، ويقلّل من تنوّع الخيارات المتاحة للمسافرين السعوديين، خاصة أولئك الذين يبحثون عن رحلات سياحية أو عائلية بأسعار منخفضة. كما أن هذا الانسحاب يفتح المجال أمام شركات أخرى مثل طيران ناس والعربية للطيران وفلاي دبي لتعزيز حضورها في السوق السعودي، وتوسيع شبكاتها لتغطية الفجوة التي قد تتركها ويز إير.
في المقابل، قد يدفع هذا التطور الجهات التنظيمية في السعودية إلى مراجعة الحوافز المقدمة لشركات الطيران الأجنبية، وتسريع دعم الشركات الوطنية لتغطية الفجوة، وإطلاق مبادرات جديدة لجذب شركات بديلة من آسيا أو أوروبا. فالسوق السعودي يتمتع بجاذبية عالية للطيران الاقتصادي، مدفوعًا بالنمو السكاني، والانفتاح السياحي، والتوسع في المدن الذكية، مما يجعله أقل عرضة للانسحاب المفاجئ مقارنة ببعض الأسواق الأخرى في المنطقة.
إن انسحاب ويز إير من أبو ظبي لا يمثل فقط قرارًا تشغيليًا، بل يعكس ديناميكيات أوسع في قطاع الطيران الإقليمي، ويطرح تحديات وفرصًا للسوق السعودي. فبينما قد يتأثر الربط الجوي في المدى القصير، فإن المملكة تملك من المقومات التنظيمية والاقتصادية ما يؤهّلها لتحويل هذا الانسحاب إلى فرصة لإعادة هيكلة قطاع الطيران منخفض التكلفة، وتعزيز استدامته، وضمان تنوّعه بما يخدم أهدافها التنموية والسياحية على المدى الطويل.