محمد سليمان العنقري
أزمة الرسوم الجمركية التي انطلقت من أمريكا وتحولت لحرب تجارية، انعكاسها الرئيس ظهر فورا في أسواق المال، بهبوط حاد لم يستثن أي سوق في العالم والتي فقدت في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام قرابة عشرة تريليونات دولار من قيمتها السوقية. وتاريخيا ما حدث يبدو ضمن السياق المعروف عن حساسية الأسواق اتجاه أي أزمة عالمية، فالمستثمرون خصوصا الأفراد الذين يميلون للمضاربة يتجهون للهروب الجماعي تحت تأثير حالة الهلع التي تسيطر على قراراتهم، بينما المستثمرون الاستراتيجيون فتخارجهم أو تمركزهم في أي شركة أو سوق عادة يكون بناء على تقييمات عملية ومهنية ولديهم المرونة الكافية للتعامل مع كل الظروف في حال فاجأتهم الأسواق بتوجه جديد تحت تأثير أزمات تظهر فجأة.
ولكن الحديث الأهم ينصب على أول أسبوع من وقوع أي أزمة، فحالات البيع والتخارج التي تطغى تكون تحت تأثير ضغط الأزمة وضبابية آثارها وبمعنى دقيق فإن المتعاملين بالسوق يحيدون تماما كل أنواع التحليل، سواء الأساسي أو المالي أو الفني وينظرون إلى أن هناك مخاطر يجب الاستعداد لها والقرار يكون بالبيع بأي سعر دون النظر لأي اعتبار آخر، لكن بعد أيام تبدا الأسواق بالهدوء، بعد أن يظهر للمستثمرين ملامح آثار الأزمة ومن المتضرر والمستفيد منها، لتبدأ رحلة إعادة تقييم الأسواق وقطاعاتها وما تتطلبه المرحلة القادمة من إعادة توزيع المراكز، إذ سيغلب على المستثمرين في السوق الاتجاه للقطاعات الدفاعية التي لا يمكن الاستغناء عن منتجاتها أو خدماتها، فهي أساسية وضرورية في حياتنا.
فمن المهم لكل متعامل بالسوق، سواء كان مضاربًا أو مستثمرًا أن يلتفت للعوامل المؤثرة بكل قطاع ويعيد بناء إستراتيجية تعامله بالسوق على هذا الأساس، بعيدا عن العاطفة وأن يراقب تطورات مسببات الأزمة دون أن ينسى تقييم كل شركة من حيث العائد ومكرر الربح وبأي القطاعات تعمل وهل تتضرر في هذه الأزمة أو بعيدة عن أي تأثير سلبي.
فالأسواق ستتجاوز آثار الأزمة بعد أسابيع أو شهور، خصوصا التي ليس لها ارتباط كبير بالحرب التجارية أو التأثير عليها أقل من غيرها بكثير، فالأزمات تولد الفرص وهي قاعدة لم تتغير تاريخيا.
ما زلنا نعيش أحد فصول الأزمة التي سببتها الرسوم الجمركية ولكن الأسواق ستبدأ بالانفصال عن تأثير التصريحات والتحديات بين الاقتصادات الكبرى، فجميعهم يريد التوصل لحل لكنهم يحاولون أن يرفعوا من حرارة الطاولة قبل الجلوس حولها للتفاوض للوصول لأكبر مكسب ممكن ولذلك ظهرت بعض الليونة والمرونة بمواقف أمريكا، بعد التصعيد الكبير ببداية الأزمة وذلك لأن الهدف التوصل لاتفاقيات تجارية جديدة والأسواق ستتجه للتقييم العادل لها بنهاية المطاف.