إيلاف من تونس: عاشت الأوساط الأكاديمية في تونس طوال الأسبوع الماضي على خبر بدا غريبا في البداية، عندما تسرّبت معلومات عن مناقشة أطروحة دكتوراه تعيد النقاش حول "كروية الأرض"، وهل تدور حول الشمس أم الشمس هي التي تدور من حولها.
وذكرت وسائل إعلام تونسية أن جامعة صفاقس (جنوب) تعتزم مناقشة رسالة دكتوراة "تنفي حقيقة كروية الأرض، وتؤكد أنها مسطحة انطلاقا من معطيات دينية لا علمية"، ما دفع الأستاذ المشرف على الرسالة إلى نشر توضيح.
وانتقد نشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي إقدام جامعة صفاقس العريقة على القبول بأطروحة حول موضوع انتهى النقاش من حوله منذ مئات السنين.
الأطروحة مسجلة منذ العام 2011 بالمدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس |
وقال بعضهم إنّ الطالبة والجامعة يريدان تفنيد ما بدأه عالم الفيزياء "كوبرنيكوس" الذي كان أول من نادى بمركزيّة الشمس بدلا من الأرض، ثم تابع البحوث خلفه غاليلو فينشينزو غاليلي، - رغم رفض الكنيسة حينها- والذي أثبت بالبراهين العلمية أنّ الأرض هي التي تدور.
ونقلت مواقع إخبارية ما يفيد أنّ صاحبة الأطروحة استندت الى فقهاء في الدين الإسلامي منهم الشيخ السعودي ابن باز الذي قال إنّ "الأرض كروية عند أهل العلم، وقد حكى ابن حزم وجماعة آخرون إجماع أهل العلم على أنها كروية، يعني أن بعضها منضم إلى بعض، وانها مدرمحة كالكرة، لكن الله بسط أعلاها لنا فجعل فيها الجبال الرواسي، وجعل فيها الحيوان والبحار رحمةً بنا، ولهذا قال: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطّحَتْ [(20) سورة الغاشية]. فهي مسطّحة الظاهر لنا ليعيش عليها الناس ويطمئن عليها الناس، وكونها كروية لا يمنع تسطيح ظاهرها؛ لأن الشيء الكبير العظيم إذا سُطح صار له ظهرٌ واسع".
تساءلت الأكاديمية رجاء بن سلامة على فايسبوك قائلة "أين مسؤوليّة الأستاذ المشرف، وكيف يسمح بإيداع أطروحة هذيانيّة؟"، مؤكدة أنها "لن تصمت في حال نوقشت هذه الأطروحة وأصبح صاحبها دكتورا".
وتمكن رجال دين في عدد من الدول المسلمة من اثارة هذا الجدل في عدة مناسبات، وذلك استنادا إلى ما يرون أنها آيات وأحاديث تؤكد أنّ الأرض مسطحة وثابتة ولا تدور.
هذا النقاش الذي عم وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية في تونس، دفع الأستاذ المشرف على الأطروحة المثيرة إلى نفي ما روجته الصحافة بشأن هذا الأمر، موضحا أن الرسالة تتعلق بدوران الأرض وليس شكلها.
ونشر الأستاذ المشرف على الأطروحة واسمه جمال الطوير توضيحا مستنكرا فيه "الحملة المغرضة" التي تمس "سمعته العلمية".
وجاء في توضيحه أن "الطالبة التي أشرف على تأطيرها أرادت إعادة النظر في هذه النظرية، محاولة تقديم فرضية أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وليس العكس.. الطالبة شجعها على ذلك باحثون من أميركا، وبعثوا لها بعديد النشريات التي تؤيد الفرضية موضوع البحث، من بينها تقارير لوكالة الفضاء الأميركية ناسا".
وأكد الطوير أن الدستور التونسي يضمن حرية التفكير والحرية الأكاديمية، وأن القانون والأخلاق "يمنعان نشر عمل علمي مازال تحت الدرس والتقييم".
من جانبها أصدرت جامعة صفاقس بيانا أمس الاثنين أوضحت فيه أن الأطروحة مسجلة في الجامعة منذ عام 2011، وأنها "تخضع لمجريات النظام القديم، وتخضع للتراتيب العلمية المعهودة"، وأكد البيان أن الجامعة كونت " لجنة طارئة للتثبت، وإظهار الحقائق وإنارة الرأي العام".
وأكّد جمال الطوير في تصريح لبرنامج إذاعي، أنّ البحث بسيط لا يستحق كل هذا "الضجيج" حيث قامت الطالبة بـ"مقارنة علمية بين فرضيتين الأولى الأرض تدور حول الشمس والثانية الشمس تدور حول الأرض باعتماد الحجج العلمية".
وأشار إلى أن "البحث ما زال في طور الدراسة وهو مجرد مسودّة داخليّة لم تعرض بعد على لجنة الدكتوراه ولم يصل إلى مرحلة القبول والنشر".
أما وزارة التعليم العالي التونسية، فقد أصدرت بيانا على خلفية الجدل الذي اثاره ايداع اطروحة دكتوراه في المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس تعيد النظر "بمنهجية غير علمية" في اهم النظريات الفيزيائية والفلكية.
ولفتت الوزارة إلى أنها "أذنت بالتحري في شأن هذه الاطروحة حيث بينت التحريات المذكورة، التي قامت بها الادارة العامة للبحث العلمي بالتنسيق مع جامعة صفاقس من 3 الى 6 ابريل 2017، توفر مؤشرات تدل على اخلالات إجرائية فادحة انجر عنها ايداع الأطروحة محلّ الجدل".
ويضيف البيان الذي اطلعت "إيلاف" على نسخة منه: "بناء على ذلك، تم تكليف التفقدية العامة في الوزارة بتحديد مسؤوليات الأطراف المتدخلة قصد اتخاذ القرارات المناسبة في شأنها".
وسجلت الوزارة بـ"ايجابية" اجتماع لجنة الاطروحات والتأهيل في هندسة المحيط والتهيئة في جامعة صفاقس يومي 7 و 8 ابريل 2017 "على اثر ورود التقريرين التقييميين السلبيين للأطروحة المذكورة والتي قررت الرفض النهائي لهذا البحث ولكل الأعمال المنشورة في إطاره بناءً على الإخلالات الفادحة في المنهجية والأخلاقيات العلمية"، مؤكدة "احترامها المطلق للحريات الاكاديمية ولاستقلالية الهياكل العلمية".