إيلاف من مدريد : احتضنت مدينة غيرنيكا الإسبانية أخيرا حدثًا دوليًا بارزًا بعنوان “صرخة من أجل السلام، إنهاء الحروب، واحترام القانون الدولي”، جرى تنظيمه من طرف تحالف الأمم المتحدة للحضارات بالتعاون مع منظمة “أديان من أجل السلام” وبلدية غيرنيكا-لومو.
جاء هذا الحدث بالتزامن مع الذكرى الثامنة والثمانين لقصف غيرنيكا عام 1937، والذي يُعد رمزًا عالميًا لمعاناة المدنيين في الحروب.
وهدفت المبادرة إلى إطلاق نداء عاجل لإنهاء دوامة العنف والدمار التي تطغى على التاريخ الحديث، والدعوة إلى عالم خالٍ من الحروب، قائم على الحوار والعدالة واحترام القانون الدولي. كما تم الإعلان عن إعداد “عشر مبادئ للسلام” ستُعرض في مدن شهدت صراعات مسلحة مثل سراييفو وناغازاكي.
صورة جماعية للمشاركين في لقاء "غيرنيكا"
تجدر الإشارة إلى أن أبرز المشاركين في إطلاق هذه المبادرة هم :ميغيل أنخيل موراتينوس ، الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، الذي قاد الحدث وأكد على ضرورة إشعال “نور الأمل” يوميًا والعمل نحو عالم بلا حروب. والدكتور فرانسيس كوريا كاجيما ، الأمين العام لمنظمة “أديان من أجل السلام”، الذي وصف المبادرة بأنها بداية لحركة تهدف إلى الانتصار على الدمار.وتالبروفيسور جيفري ساكس، رئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، الذي دعا إلى حوار غير مشروط لإنهاء الحرب في أوكرانيا ورفع الفيتو الأميركي عن انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة.
كما شارك في الحدث ممثلون عن الحكومة الباسكية، ومسؤولون دينيون من القوقاز، وممثلون عن الكرسي الرسولي، بالإضافة إلى شخصيات فنية ورياضية بارزة.
وقال بيان صادر عن الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، والأمين العام لمنظمة “أديان من أجل السلام” ،ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، ، إن الحروب الجارية اليوم – في أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، والأميركيتين – جميعها قابلة للحل من خلال الحوار، والعدالة، والقانون الدولي، ومبدأ الأمن الجماعي، الذي يعني أن أمن جميع أطراف النزاع يجب أن يُعترف به ويُؤمَّن.
وأشار البيان إلى أن الفقر والظلم والاستغلال هي عوامل تُغذي الصراعات. وشدد على الالتزام بتحقيق التنمية المستدامة كحِصنٍ منيع للسلام.
وزاد البيان قائلا إن دعاة السلام موجودون بين جميع شعوب العالم، من مختلف المجتمعات، والأعراق، والإثنيات، والأديان.وأنه لا يوجد “صراع حضارات”، بل هناك ألاعيب الديماغوجيين الذين يسعون لإثارة الكراهية وإشعال الحروب.
وذكر البيان انه بإمكان البشرية أن ترتقي فوق العنف الغريزي.معبرا عن الإيمان بالحوار والدبلوماسية كطريق حقيقي وملحّ لتحقيق السلام الدائم.
ودعا البيان القادة السياسيين والأكاديميين ورجال الأعمال وقادة المجتمع المدني إلى وقف دوامة العنف التي اجتاحت العالم، وإبعاد “ساعة القيامة” عن منتصف الليل، وضمان أن تُسخّر ثمار المعرفة البشرية والتقدم التكنولوجي من أجل التنمية السلمية والمستدامة، وليس للحرب.
واعلن المشاركون في لقاء غيرنيكا تضامنهم وتعاطفهم مع جميع ضحايا الحروب،الذين أرهقتهم النزاعات،وشوهتهم الحروب، واُقتلعوا من ديارهم، و قُتلوا بسبب العنف.
في سياق ذلك جرت دعوة جميع المواطنين في العالم إلى الالتزام بعشرة مبادئ من أجل السلام.
1-السعي إلى الدبلوماسية بحيث لا تنتهي الحروب في ميادين المعارك، بل تنتهي على طاولة المفاوضات، من خلال حل النزاعات السياسية. كما أنه لا يوجد أي مبرر لقطع الجهود الدبلوماسية من أجل السلام.فالتفاوض لا يكون مبكرًا جدًا ولا متأخرًا أبدًا.
2-دعم ميثاق الأمم المتحدة،الذي أُعتمد “لإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب”، ويدعو دول العالم إلى “ممارسة التسامح والعيش معًا بسلام كجيران طيبين؛ وتوحيد القوى من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين؛ وضمان ألا تُستخدم القوة المسلحة إلا في سبيل المصلحة العامة؛ واستخدام الآليات الدولية لتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع الشعوب”.
3-إيجاد الوحدة في التنوع.
4-تعزيز التنمية المستدامة نظرا لان الحروب تنبع من حرمان الفقراء، وغطرسة الأغنياء، وتدمير البيئة من قِبل من يلهثون وراء الثروة متجاهلين الأخلاق. وبالتالي يتحقق السلام عبر تنمية مستدامة تُلبي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لجميع الناس.
5- دعم حظر الأسلحة النووية نظرا لان بقاء الإنسانية الآن مرهون بحظر أدوات الانتحار الجماعي.
6-إنهاء استخدام التدابير القسرية الانفرادية (العقوبات)ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة، المادة الثانية، الفقرة 4، ينص على أن “يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو بأي طريقة لا تتفق مع أغراض الأمم المتحدة”. وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارًا أن التدابير القسرية الأحادية تشكّل استخدامًا للقوة في انتهاك للميثاق.
7-توجيه تخفيضات الإنفاق العسكري إلى صندوق للتنمية المستدامة. فقبل ستين عامًا، دعا البابا بولس السادس قوى العالم إلى تحويل نفقاتها العسكرية إلى “صندوق عالمي لتلبية احتياجات الشعوب الفقيرة”. وبالتالي ندعو الدول الكبرى المنفقة على السلاح إلى إعادة توجيه نفقاتها المُهدَرة إلى صندوق خاص بالتنمية المستدامة.
8-تشجيع إصلاح مجلس الأمن وذلك التحسين فعاليته وتمثيله، بما في ذلك معالجة التمثيل التاريخي الناقص لأفريقيا كأولوية، وضمان التمثيل الكامل وإيصال صوت آسيا وأميركا اللاتينية في عمليات صنع القرار الخاصة بصنع وحفظ السلام عالميًا.
9- تعزيز دور الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار ان جمعية عامة نشطة هي مفتاح لتحقيق تعددية عادلة وفعالة، تُمكّن جميع المناطق والشعوب والحضارات من المساهمة في بناء مستقبلنا المشترك.
10-دعم سياسة السلام من خلال إصغاء السياسيين في كل مكان إلى شعوبهم. فالجميع يريد ويطالب بالسلام، من أجل الخير العام ومن أجل البقاء المشترك. وعلى مجلس الأمن الدولي تكثيف جهوده للحفاظ على السلام، ومقاومة ووقف الأفعال الأحادية العدوانية من أي دولة. وعلى جميع الحكومات ايضا والمواطنين دعم مؤسسات العدالة الدولية – محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية – باعتبارهما شريانًا حيويًا لحكم القانون على المستوى العالمي.
وفي الاخير رحب لقاء غيرنيكا بإعلان عام 2025 سنةً دولية للسلام والثقة، وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 78/266، الذي اقترحته تركمانستان. ويُبرز هذا الإعلان أن السنة الدولية للسلام والثقة تشكل وسيلة لتعبئة جهود المجتمع الدولي من أجل تعزيز السلام والثقة بين الأمم، على أساس الحوار السياسي، والتفاهم المتبادل، والتعاون، واحترام كرامة كل حياة بشرية، من أجل بناء سلام مستدام وتضامن وانسجام في العالم بأسره.
تجدر الإشارة إلى أن الحدث عرف توزيع جوائز “غيرنيكا للسلام والمصالحة” لعام 2024، بالإضافة إلى عروض ثقافية وسينمائية. ومن بين المكرمين منظمة “مقاتلون من أجل السلام”، التي تضم مقاتلين سابقين من إسرائيل وفلسطين يعملون معًا من أجل السلام من خلال الوسائل اللاعنفية.
يمثل هذا الحدث في غيرنيكا خطوة مهمة نحو تعزيز ثقافة السلام والتفاهم بين الشعوب، وتأكيدًا على أهمية الحوار والاحترام المتبادل كوسيلة لتحقيق عالم أكثر عدلاً وسلامًا