إيلاف من باريس: تبرّأت جمهورية الكونغو الديمقراطية، الأربعاء، من مذكرة التفاهم التي وقعها الأمين التنفيذي لمجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية "SADC" مع ممثل عن جبهة البوليساريو، في العاصمة البوتسوانية غابورون، مؤكدةً تمسكها بسيادتها في تحديد موقفها من قضية الصحراء، وتجديد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والفرنكوفونية لدولة الكونغو، في بيان رسمي، تلقت "إيلاف" نسخة منه، إن المذكرة "لا تكتسي طابعاً ملزماً"، وإن جمهورية الكونغو الديمقراطية "تحافظ على استقلالية قرارها إزاء هذا النزاع"، مشددةً على دعمها للمقترح المغربي باعتباره "حلاً جدياً وواقعياً وذي مصداقية" تحت رعاية الأمم المتحدة.
ويُنظر إلى البيان الكونغولي باعتباره تطوراً لافتاً في مواقف دول المجموعة الإفريقية، ويعكس انقساماً متزايداً داخل التكتل الإقليمي الذي لطالما اعتُبر من أبرز الداعمين لأطروحة "البوليساريو"، بفعل النفوذ السياسي والاقتصادي الذي تمارسه جنوب إفريقيا، أبرز حلفاء الجزائر في القارة. حيث أثار هذا التقارب، بين المنظمة الإفريقية والبوليساريو، تحفظات عدد من الدول الأعضاء، خصوصاً تلك التي تربطها علاقات استراتيجية مع الرباط.
ويرى متابعون أن موقف الكونغو الديمقراطية الأخير يُضاف إلى سلسلة مواقف أفريقية مماثلة بدأت تُرسي توازنات جديدة داخل الفضاء القاري، وتؤسس لما يمكن اعتباره محوراً إقليمياً يتبنى مقاربة واقعية لحل النزاع، تحت مظلة الأمم المتحدة، وبعيداً عن الاعتبارات السياسية التي سادت في العقود الماضية.
تحول في ميزان التكتل
تأسست منظمة التنمية لإفريقيا الجنوبية "SADC" عام 1980، وتضم 16 دولة من شرق وجنوب القارة، وتهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والأمني بين أعضائها.
وعلى الرغم من أن الجزائر ليست عضواً في المنظمة، إلا أنها تسعى باستمرار للتأثير على بعض الدول الأعضاء عبر تحالفها الوثيق مع بريتوريا.
غير أن الفعل الدبلوماسي المغربي، خصوصا بعد عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي، أحدث تغيّرات متسارعة في توازنات "SADC"، خصوصاً مع تنامي حضوره في القارة، وتكثيف الرباط لعلاقاتها الاقتصادية والاستثمارية مع عدد من دول الجنوب الإفريقي.
وتتويجا للتفوق الدبلوماسي المغربي، افتتحت الكونغو الديمقراطية قنصلية عامة لها في مدينة الداخلة عام 2022، في خطوة اعتُبرت آنذاك تعبيراً ميدانياً عن دعمها للوحدة الترابية للمملكة. كما أقدمت دول أعضاء في هذا التجمع الإفريقي، مثل زامبيا، وإسواتيني، ومالاوي، وجزر القمر، على خطوات مماثلة من خلال فتح تمثيليات دبلوماسية في كل من العيون والداخلة، دعما منهم للموقف المغربي.
محوران متقابلان داخل المجموعة
في المقابل، تواصل جنوب إفريقيا ومعها ناميبيا وزيمبابوي وموزمبيق تبني خطاب داعم لجبهة البوليساريو، مستندة إلى إرثها التاريخي في "النضال التحرري"، وهو ما يتقاطع مع توجهات الجزائر في الإبقاء على النزاع ضمن أجندة الاتحاد الإفريقي.
ومع ذلك، يُلاحظ بعض المراقبين أن بعض دول المجموعة باتت تُظهر مؤشرات على انفتاح على مقاربات أكثر توازناً، في ظل تراجع الجدوى السياسية لخطاب الانفصال، وتزايد الحاجة إلى شراكات تنموية تعزز الاستقرار في المنطقة.
كما برزت في السنوات الأخيرة مواقف محايدة أو متحركة في اتجاه الحياد الإيجابي لدى دول مثل مدغشقر، وبوتسوانا، وموريشيوس، وهي مواقف تعكس براغماتية متزايدة لدى عدد من حكومات القارة التي باتت تولي الأولوية للاعتبارات الاقتصادية على حساب الاصطفافات الإيديولوجية.
دعم إفريقي يتعزز
وتسعى الرباط، بحسب مصادر دبلوماسية، إلى تعزيز هذا التحول عبر تفعيل أدوات التعاون الاقتصادي والمبادلات القطاعية، مع دول لا تزال تتبنى مواقف غير محسومة، مستفيدةً من الدينامية التي أطلقتها في السنوات الأخيرة من خلال استثمارات واسعة في قطاعات البنوك، والطاقات المتجددة، والإرشاد الفلاحي والتنمية الزراعية بعدد من العواصم الإفريقية.