أعلن الديموقراطي ستيث مولتون عن قراره بترجيع جميع التبرعات التي سبق أن تلقاها من «أيباك»، ورفضه قبول أي دعم مستقبلي منها! هذه ربما تكون أول حالة بارزة ومعلنة لعضو ديموقراطي في الكونغرس. ولأسبقية الحدث فقد حظي بانتباه المعلقين السياسيين، ووصفوه بالخطوة التاريخية غير المسبوقة في الذاكرة الحديثة، فهذا أول نائب بوزنه، يرفض معونة أيباك، وفوق ذلك يعيد لها كل ما سبق أن تلقاه منها، وسيشجع موقفه أعضاء آخرين للاقتداء به.
* * *
يكشف تاريخ اللوبي الصهيوني، على جانبي المحيط الأطلسي، عن عمل مضن من الدعوة الدينية والسياسية، حيث تعود بدايات الضغوط المؤيدة للصهيونية في بريطانيا لأوائل القرن الـ19، عندما بدأت بعض الشخصيات المسيحية واليهودية بالدعوة إلى «عودة» اليهود إلى فلسطين. ففي عام ١٨٣٩، ضغط القادة الإنجيليون على البرلمان لدعم إعادة التوطين، وبحلول أواخر ذلك القرن، كانت شخصيات مثل ثيودور هرتزل وحاييم وايزمان تضغط على كبار المسؤولين البريطانيين. وكانت النتيجة صدور وعد بلفور عام ١٩١٧، الذي التزمت فيه الحكومة البريطانية، بناءً على إلحاح القادة الصهاين، دعم فكرة «وطن قومي للشعب اليهودي» في فلسطين. وحتى الحرب العالمية الثانية، كانت المنظمات اليهودية المهيمنة فيها معادية للصهيونية في الواقع، بينما كان الضغط الصهيوني يعمل عبر قنوات أكثر تحديدًا. مع مرور الوقت، ازداد الدعم للصهيونية، وخططها، ولا سيما بعد الهولوكوست، وقيام إسرائيل عام ١٩٤٨.
أما في الولايات المتحدة، فقد بدأ الضغط اليهودي المؤيد للصهيونية في أوائل القرن العشرين، ولكنه أصبح أكثر وضوحًا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تأسس المجلس الصهيوني الأمريكي (AZC) عام ١٩٤٩، ليوحد المنظمات الصهيونية المتعددة للضغط على الكونغرس والجمهور لمصلحة إسرائيل. وفي ١٩٥١، بدأت اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة، التي سُميت لاحقًا بـ AIPAC عام ١٩٥٩ بالضغط المباشر، مركّزة في البداية على العلاقات العامة، ثم على التأثير التشريعي المباشر. وسرعان ما أصبحت واحدة من أقوى جماعات الضغط في واشنطن، وبلغ قوته الذروة بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧، التي حفّزت دعم اليهود الأمريكيين لإسرائيل وزادت من جهود الضغط عبر الطيف السياسي.
في حين أن جماعات الضغط الصهيونية في بريطانيا وامريكا غالبًا ما تُنسّق استراتيجياتها، إلا أن الأنظمة السياسية والمواقف العامة في كل بلد تطلبت مناهج مختلفة. فتاريخيًا، اعتمدت الصهيونية البريطانية بشكل أكبر على «النخبة»، بينما ركزت في أمريكا على التعبئة الجماهيرية وجمع التبرعات والحملات الإعلامية والتواصل المباشر مع الكونغرس. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، طورت المنظمات الصهيونية في كلا البلدين علاقات قوية، مع تبادل وتعاون متكرر في السياسات والرسائل والاستجابة للأزمات. وهكذا، تطور اللوبي الصهيوني في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة من جذور دينية ودبلوماسية ليصبح مناصرا مؤثرا للغاية لإسرائيل والمصالح الصهيونية، مستخدمًا المهارات التنظيمية، والوصول السياسي، والنشاط الواسع النطاق، وشراء النواب وأصحاب النفوذ، ومحاربة من يعارضهم بقسوة كبيرة.
وفي خطوة غير متوقعة، ولأول مرة في تاريخها، ونتيجة لتأثر سمعتها، بعد جرائم الإبادة في غزة، قامت «أيباك» بإطلاق حملة إعلانية قوية، ركزت فيها على «وطنيتها وأنا أمريكية، وإن أعضاءها يبحثون عن مصلحة وطنهم، ويعتقدون أن دعم إسرائيل سياسة جيدة».
أحمد الصراف

