: آخر تحديث

الإرهاب الإقليمي والتوازنات الاستراتيجية 

3
3
3

تعاني منطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة من حالة مستعصية من عدم الاستقرار، ليس بفعل العوامل الجيوسياسية الطبيعية فحسب، بل نتيجة سياسات ممنهجة تنتهجها دول إقليمية كبرى تسعى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية عبر دعم منظمات إرهابية وتغذية بؤر التوتر. ويرى المراقبون أن هذا الدعم المباشر وغير المباشر للإرهاب قد أفضى إلى نشوء كيانات مسلحة تقودها عناصر تعاني من اضطرابات نفسية عميقة، تجد في ممارسة العنف الأعمى والقتل والتعذيب نوعًا من الإشباع المرضي الذي يرفع مستويات الأدرينالين لديها. إن هذه الظاهرة الخطيرة لم تعد مجرد قضية أمنية إقليمية، بل باتت تهديدًا وجوديًا يستدعي مراجعة جذرية لكافة المعادلات السائدة في المنطقة.

لا شك أن حركة حماس الارهابية تمثل نموذجًا صارخًا لهذه القيادات المعتوهة التي تتخذ من العنف الأعمى منهجًا ومن القتل الجماعي رسالة. ففي السابع من أكتوبر، ارتكبت الحركة مجزرة بشعة بحق مواطنين مدنيين إسرائيليين، في مشاهد تقشعر لها الأبدان من القتل والحرق والاغتصاب وقطع الرؤوس، وهي أفعال تكشف عن طبيعة سيكوباتية واضحة لدى قيادة هذه المنظمة الارهابية. وبلا شك، فإن توثيق هذه الجرائم ونشرها على نطاق واسع من قبل مرتكبيها يعكس سلوكًا مرضيًا متقدمًا، حيث يجد هؤلاء في التباهي بجرائمهم نوعًا من الإشباع النرجسي المريض. وتشير المراكز البحثية الغربية إلى أن هذا النمط من السلوك يتطابق مع تشخيصات علم النفس الجنائي للشخصيات السادية التي تستمد لذتها من معاناة الآخرين.

في الحقيقة، فإن العواقب الكارثية لهذه المجزرة لم تقتصر على الضحايا الإسرائيليين فحسب، بل ارتدت بقسوة على البيئة الحاضنة لحماس نفسها في قطاع غزة، فقد لجأت الحركة إلى ممارسة القتل الميداني بحق كل من يعارضها أو تشتبه في خيانته لها، وسارعت إلى تصوير هذه الجرائم ونشرها كنوع من الترهيب وإظهار القوة. ويجمع الرأي الحقوقي الدولي على أن هذا السلوك يمثل انتهاكًا صارخًا لأبسط قواعد القانون الإنساني، ويؤكد على الطبيعة الاستبدادية القمعية لهذه المنظمة الإرهابية تجاه شعبها قبل عدوها. إن هذا النمط من التصرفات يكشف عن حالة مرضية متقدمة من حب الظهور والتلذذ بالجريمة، تمامًا كما حدث في مجزرة السابع من أكتوبر، حيث تم بث الفظائع مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مشهد يعبر عن انحطاط أخلاقي وانهيار نفسي كامل.

إن المعالجة الإسرائيلية لهذا السلوك المرضي في غزة وامتداداته في لبنان والعراق واليمن وإيران قد أثبتت نجاعتها على أكثر من صعيد، فقد أظهرت العمليات العسكرية الإسرائيلية المدروسة والمستهدفة قدرة فائقة على تفكيك البنى التنظيمية للجماعات الإرهابية وضرب شبكات الإمداد والتمويل التي تغذيها الدول الإقليمية. ويرى المراقبون الاستراتيجيون أن دولة إسرائيل قد أصبحت نقطة مركزية بالغة الأهمية في توازن السلم والاستقرار الإقليمي، بفضل قدراتها العسكرية المتطورة وحرية الحركة التي تتمتع بها على الساحة الدولية.

وفي الحقيقة، فإن هذه الميزة الاستراتيجية تمنحها دورًا محوريًا في تهدئة وردع الدول الإقليمية الداعمة للإرهاب في المنطقة، وهو دور لا يمكن إنكاره مهما اختلفت الآراء السياسية حول الصراع.

لا شك أن الشعار الذي ترفعه كافة التنظيمات الإرهابية والأنظمة الديكتاتورية الداعمة لها، والمتمثل في "الموت لإسرائيل وأمريكا"، قد جاء بفاتورة باهظة الثمن على من رفعه واتخذه منهجًا سياسيًا وأيديولوجيًا. فقد أتاحت الأحداث الأخيرة الفرصة لدولة إسرائيل لمناقشة تلك التنظيمات الإرهابية ومعظم الدول الداعمة لها بلغة القوة والردع، في محاولة لإقناعها بأن الفاتورة ستكون غالية جدًا إذا استمرت في نهجها العدواني. وتشير المراكز البحثية الغربية إلى أن المنطق الإسرائيلي الفاعل والمثير للجدل قد كان له أثر ملموس في إعادة تشكيل معادلات القوة في الشرق الأوسط، وفرض واقع جديد يضع حدودًا واضحة لما يمكن أن تتحمله المنطقة من استفزازات وتهديدات.

إن هذا النهج الإسرائيلي، قد أثبت فعاليته في خلق نوع من التوازن الرادع الذي طالما افتقدته المنطقة. فبعد عقود من الشعارات الجوفاء والتهديدات اللفظية التي كانت تطلقها الأنظمة الإقليمية الدكتاتورية المستبدة والجماعات الإرهابية دون أن تواجه عواقب حقيقية، باتت تلك الأطراف تدرك اليوم أن كل فعل سيواجه برد فعل حاسم وقاس.

ويجمع الرأي الاستراتيجي على أن هذه المعادلة الجديدة، المؤلمة ودموية، هي الطريق الوحيد لفرض نوع من الاستقرار القسري في منطقة رفضت طويلًا أن تتعلم دروس السلام بالطرق الدبلوماسية التقليدية.

في نهاية المطاف، يبقى الشرق الأوسط رهينة لسياسات إقليمية قصيرة النظر تضع المصالح الضيقة فوق استقرار المنطقة بأسرها. إن دعم الإرهاب وتمويل المنظمات المتطرفة ليس مجرد خطأ استراتيجي، بل هو جريمة بحق شعوب المنطقة جميعًا. وبينما تستمر بعض الدول في لعب لعبة التوازنات الإقليمية عبر وكلاء إرهابيين، فإن الثمن الذي ستدفعه في النهاية قد يفوق بكثير أي مكاسب آنية توهمت أنها ستحققها. إن الدرس الأكثر وضوحًا من المشهد الراهن هو أن العنف يولد العنف، وأن الإرهاب مهما كانت مسمياته ومبرراته سينتهي دائمًا إلى تدمير من احتضنه قبل أن يدمر عدوه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.