لا تزال الآمال كبيرة في ألّا تتجه الأحوال نحو المجهول فيما يتعلق بتجربة إقليم كردستان العراق طالما الإحساس بضرورة إصلاح الأوضاع قائم، ولغة النقد الذاتي حاضرة، وطالما هذا التعاطي القويم يطال مجمل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية، ويعبّر عن نفسه يومياً عبر وسائل الإعلام الجماهيري الكردي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بالرغم من ملاحظة الغلوّ أحياناً في مقاربة القضايا والملفات أو المشاكل والأزمات، وهذا أمر وارد إلى حد ما نظراً لحضور الرغبة لدى عامة الناس في المشاركة السياسية، لاسيما أن للمواطن الآن منابر خاصة به تتمثل في صحافة المواطن (Citizen journalism)، التي نعني بها منابر التواصل الاجتماعي، أي الظاهرة الإعلامية والتكنولوجية الجديدة التي زعزعت كلياً خارطة العناصر والمواقع في الفعل التواصلي الإنساني، بحيث يغدو المواطن معها اليوم هو المرسل أو حامل الرسالة، وليس ذاك المتلقي السلبي أو الكائن الذي لا حول له ولا قوة إزاء الخطابات والرسائل التي كان يتعرض لها دون أن يكون له دور ما.
بعبارة أخرى، إنَّ الديمقراطية الحقيقية تكمن اليوم في سيادة حريات التعبير والنقد والمناقشة والحراك السياسي الفعّال عبر هذه المنابر المستجدة، وهذا ما هو حاصل تقريباً في واقع الإقليم وفضائه العام. صحيح أن مثل هذه الحريات في عالمنا العربي والإسلامي ككل لا تترسخ ببساطة، وهي بحاجة دوماً إلى المجازفة والمواجهة بل التضحية والصراع المرير مع السلطات، إلا أن التصميم على ممارستها بإرادة قوية ولأهداف سياسية ومجتمعية نبيلة، خالية من المؤامرات والإملاءات الخارجية، يعود دوماً على البلد بالخير، ويدفع السلطات والدولة إلى التمهل ومراجعة الذات، وهذا بدوره يولد لا محالة أفكاراً بناءة وتدابير إصلاحية، بل يحث المعنيين على الشعور بالمسؤولية والقيام بما يتطلع إليه المواطن، وتحقيق تفاعل ناجع بين الدولة والمجتمع، وبالتالي إعادة الأمان والاستقرار المرجو للبلد.
من ناحية أخرى، إنَّ كردستان العراق بخير طالما ثمة قوى سياسية جديدة تبرز على الساحة مع كل دورة انتخابية وتسعى إلى الضغط على السلطات للقيام بمزيد من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والخدمية، خصوصاً أن أغلب هذه القوى تعي ضمنياً ومسبقاً بأن حظها السياسي ضئيل، وأنها لا تنال ثقة الناخب الكردي بالنسبة المرجوة التي تؤهلها لتكون بديلاً عن الأوضاع القائمة، ومع ذلك تمارس العمل السياسي وتعارض وقائع البلاد وأحوال العباد، وذلك ربما برهانات سياسية مثمرة، أقل ما يمكن أن تحققه هو استمرار الحراك السياسي ومعارضة الجمود ومقاومة الأزمات وتحفيز القوى المتنفذة على إعادة النظر في سبل إدارة إقليم كردستان واستحقاقات المراحل. وبكل هذه المعاني والمؤشرات، لا خوف على حاضر ومستقبل هذا الجزء من العراق، وكل أملنا هو أن يطال الحال هذا ربوع البلاد كلها، وينعم البلد بخيراته الوفيرة الكامنة في ثرواته الطبيعية والبشرية، التي تفتقر إليها الكثير من بلدان العالم.


 
			
			