: آخر تحديث

جابوتنسكي ملهم نتنياهو: الحركة التصحيحية للنازية

4
3
3

يكاد أن يكون بنيامين نتنياهو فرعون العصر على العرب، لشدة بطشه النازي بهم، واستكباره على النواميس الدولية والإنسانية. تستحضر جبروته، المجردة من أدنى أخلاقيات الحرب، في الذاكرة الشعبية العربية فرعنة فرعون الذي تأله، ولم يتفرعن فرعون إلا حين لم يجد من يرده، بحسب المثل التاريخي القائل: من فرعنك يا فرعون؟ فردّ: لم أجد من يردني.

تلك الحال تنطبق على نتنياهو لأن العرب لم يردوه، ولا يمتلكون عصا موسى. وربما يكون من أسباب عدم الرد، إضافة إلى ضعف العرب وتمزقهم، سوء قراءتهم لخلفية إستراتيجية نتنياهو في حروبه المدمرة واتساعها نحو المحيط. فهو في الآن معاً يحارب غزة، ويناوش الضفة، ويدمر جنوب لبنان، ويستبيح سوريا سماء وأرضاً، ويقصف اليمن والدوحة، خارقاً كل الأعراف الدولية، ضارباً عرض الحائط بوهم تطبيعه مع العرب.

ترجع إستراتيجية نتنياهو إلى أفكار زئيف فلاديمير جابوتنسكي، الصهيوني روسي المنشأ، وقد أعلن نتنياهو صراحة في خطاباته أن جابوتنسكي ملهمه ومرشده الروحي، وأنه يحتفظ بسيفه، ويقرأ أعماله دائماً.

ويعدّ جابوتنسكي أحد أكثر أركان الحركة الصهيونية تأثيراً في سياسة حكام إسرائيل. وكان قد بنى أفكاره على فلسفات "توماس هوبز" و"نيتشه"، وتبنى فكراً مزيجاً من النازية والفاشية والتلمودية المتطرفة. فتغنى بالفكر الدارويني والفاشي. وكان من جملة هذه الأفكار التي يحملها، ما قاله صراحة في إحدى خطبه: «كل إنسان آخر على خطأ، وأنت وحدك على صواب. لا تحاول أن تجد أعذاراً من أجل ذلك، فهي غير ضرورية، وهي غير صحيحة. وليس بوسعك أن تعتقد بأي شيء في العالم إذا اعترفت ولو لمرة واحدة أن خصومك قد يكونون على صواب لا أنت. فهذه ليست الطريقة لتحقيق أي أمر. لا توجد في العالم إلا حقيقة واحدة، وهي بكاملها ملكك أنت».

لا يبلغ هذا التطرف إلا ما بلغته الأيديولوجيا النازية، بالرغم من العداء التاريخي بين الصهيونية والنازية، فهما تلتقيان في التقييم العرقي للبشرية، وحق العرق المطلق في التحكم بالبشرية وإقصاء الغير. وهذا ما ينبض به سياق خطبة جابوتنسكي السابقة من عنجهية استعلائية. هي تشكل رؤيته ومبادئه وأفكاره التي ينادي بتأسيس إسرائيل عليها. وقد كان مناحيم بيغن يعدّ جابوتنسكي الأب الروحي والملهم له قبل نتنياهو.

لم يكن خافياً على الباحثين اقتداء جابوتنسكي بالفاشية، فقد قدم الباحث المجري في تاريخ اليهود "يسبريمي" جملة دراسات ذهب فيها إلى أن أفكار جابوتنسكي تتغذى على الفكر الفاشي الإيطالي. ويؤكد هذا الباحث أن جابوتنسكي، مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية، كان يصف نفسه بأنه "موسوليني اليهود"، ويراه قدوته العليا.

في هذا السياق نشر "يسبريمي" دراسات تحليلية لسياسات حزب الليكود، وكشف عن تأثرها بأفكار جابوتنسكي التي ترى التاريخ اليهودي دورة من التهديدات المستمرة، ويشير في دراسة له بعنوان "جابوتنسكي المنظر الفكري لسياسات الليكود" إلى أن من مفارقات سياسة نتنياهو أنه يستغل اليمين الديني الذي أصبح مهيمناً في إسرائيل لتقوية حكمه واستمراره في السلطة، بالرغم من أن الخلفية الفكرية لحزب الليكود صهيونية علمانية يمينية، تعرف باسم "الصهيونية التصحيحية" أو التنقيحية، التي تأسست عام 1925 على يد جابوتنسكي.

ويبين الباحثون في هذا السياق أن مصطلح "التصحيحية" لا يقصد به ما تستحضره الكلمة في الذهن من مراجعة للأفكار والميل نحو المرونة والاعتدال، بل تدل على صهيونية أكثر تشدداً. فالتصحيحية مصطلح سياسي مخاتل بامتياز، ولا ندري إن كان حافظ الأسد قد أطلق على انقلابه المسمى "الحركة التصحيحية" تيمناً بمصطلح جابوتنسكي، ولا سيما حين نكتشف أن الحركة التصحيحية الأسدية دمرت سوريا بطريقة لا يحلم بها جابوتنسكي انتصاراً لإسرائيل.

والمجال لا يتسع لسرد تبني نتنياهو أفكار جابوتنسكي في سياساته وتحويلها إلى ممارسة تدميرية فاقعة النازية. ربما لم يكن جابوتنسكي ذاته يتصور تماهي أحد معه مثل تماهي نتنياهو. ولا بد أن نذكر في هذا السياق بأن جابوتنسكي هو من أرسى دعائم نظرية الجدار الحديدي، ودعا إلى رفض أية سياسة توحي بملامح ضعف في المواقف الصهيونية، ويؤكد "عدم السعي للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين حتى يصبحوا في موضع الضعف"، ويرى أنه "عندما لا يبقى في الجدار الحديدي أيّ شق، ولا يبقى لديهم بصيص أمل، عندها تفقد المجموعة المتطرفة وشعارها الرفض المطلق قوتها، وبدلاً منها سيأتي إلينا الفريق المعتدل ويبدي استعداداً للتنازل والمساومة. وهو الطريق الوحيد للوصول إلى اتفاق هو الجدار الحديدي".

من غير شك، لا يتجاهل أحد أن ممارسة نتنياهو للوحشية والإبادة في حروبه تتفوق على النازية، وأن إستراتيجيته في التفاوض تعتمد على أفكار جابوتنسكي في إجبار الفلسطينيين على التفاوض من تحت الركام، وهي تجسيد نازي بامتياز لتلك الأفكار، وتحقيق للحركة التصحيحية الصهيونية النازية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.