محمد سليمان العنقري
قال معالي وزير المالية السعودي الأستاذ محمد الجدعان على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي «إنه «يتوقع أخبارا إيجابية خلال أسابيع تحد من مستوى التوترات في الأسواق والاقتصادات» وهو تصريح في غاية الأهمية محليا تحديدا بهذه المرحلة الحرجة التي يمر بها اقتصاد العالم، فالتحليلات السلبية والاحتمالات المتشائمة التي أطلقها المحللون عموما وإن كانت محقة نتيجة حالة عدم اليقين بالأسواق والاقتصاد العالمي إلا أن بعضها ذهب بعيدا بالنظرة السوداوية فالأزمات يجب أن تعطى حقها في التقييم وهذا عادة لا يظهر في الأسابيع الأولى لها بل يحتاج لمؤشرات عديدة ليس من بينها ردود الفعل الأولية التي تظهر على أسواق المال من هبوط حاد ولجوء للملاذات الآمنة فكل ذلك يدخل من باب التحوط الأولي والسريع ولكن عندما تبدأ الأرقام بالكشف عن حجم الضرر سيكون التقييم منطقيا ودقيقا ويقيس الأبعاد الزمنية لآثار الأزمة ومدى نجاعة الحلول التي قدمت لاحتوائها.
فحاليا بدأ الوضع يختلف فالتصريحات الأخيرة كانت باتجاه تهدئة الأسواق ولجم حالة الاضطراب فيها والتي بدأت بمهلة تعليق الرسوم الجديدة 90 يومًا أعطاها الرئيس ترمب لإنهاء المفاوضات مع أكثر من 70 دولة باستثناء الصين والتي بدأ التصعيد معها يأخذ منحى أكثر مرونة وأعلن عن تواصل بين الطرفين مما يمهد لانطلاق مفاوضات بينهما وقال الرئيس ترمب لمجلة تايم إن تواصلا حصل مع الرئيس الصيني دون أن يفصح عن تفاصيله، كما أن الصين أبدت استعدادها للحوار مع أمريكا، فالطرفان لديهما مصلحة مشتركة بإنهاء الخلاف وهذا ما قاله وزير الخزانة الأمريكي بأن الرسوم على الصين لم توجد لتستمر وسيصلون للتوازن بالعلاقة التجارية خلال عامين إلى ثلاثة وهذا يعني أن مفاوضات قريبة ستعلن بينهما وبدايتها ستكون بخفض الرسوم الجديدة أو تعليقها من باب إبداء حسن النية وسيظهر تدريجيا أثر التفاهمات بينهما وستكتمل كل التفاصيل خلال المدة التي ذكرها وزير الخزانة الأمريكي أي المسألة تدريجية وليست مؤجلة لما بعد الأعوام التي ذكرها فالاتفاقيات تنفيذها يكون مرحليا ومتشعبة وتتداخل فيها عوامل عديدة تنظيمية وتقنية وفنية حتى يتم تقليص الفجوة بالعجز بالميزان التجاري بينهما الذي يصب لصالح الصين حاليا بما يصل إلى 295 مليار دولار سنويا.
من هذا المنطلق وأيضا ما ذكره الرئيس ترمب بأن اتفاقيات ستوقع خلال أسابيع مع شركاء تجاريين آخرين فإن الأسواق ستتعامل مع التطورات الإيجابية على أنها انفراجة تزيل الضغوط عن قرارات المستثمرين وبعدها سيعودون للتقييم المستحق للأسواق وكل ورقة مالية فيه ارتفاعا أو هبوطا لكن وفق معايير الأسواق الطبيعية فاستمرار الحرب التجارية سيضر بمصالح الجميع على المدى القصير ففي أمريكا يواجه الرئيس ترمب الأمر بتحدٍ كبير فهو يريد خفض الفائدة وهذا غير ممكن إذ إن هذه الحرب ترفع التضخم ولذلك بدأ يعمل على إزالة المعوقات أمام خفض الفائدة حتى لا يكون هناك عذر أمام الفيدرالي بعدم التوجه لسياسة نقدية مرنة كما أن استمرار تلك الحرب سيعني تهديدا لمكانة الدولار بانسحابات كبيرة محتملة من سوق السندات وهو أمر يعد أكبر خطر وجودي لأمريكا أن يفقد الدولار مكانته الدولية كعملة احتياط وتسعير للسلع، إضافة إلى أنه يريد استقرار الأسواق نظرا لحجم مدخرات الأمريكيين الضخم فيها الذي يصل إلى 22 تريليون دولار تتمثل في استثمارات صناديق التقاعد وصناديق المؤسسات المالية والاستثمار المباشر من الأفراد فالانحدار الحاد للأسواق بفعل قرارات رفع الرسوم الجمركية لن ينظر له الشعب الأمريكي على أنه أزمة فرضت نفسها نتيجة عوامل طبيعية بل هي بسبب قرارات خاطئة لم تراع مصالحهم فهكذا سينظرون لها وسيعني ذلك انتحارًا سياسيًا للجمهوريين وعودة سريعة للبيت الأبيض مع هيمنة على الكونجرس للديمقراطيين.
لا سبيل أما القوى الكبرى اقتصاديا سوى التفاهم من جديد وبناء اتفاقيات تعيد الاستقرار للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي فأمريكا تريد إعادة رسم خارطة التجارة الدولية وتدفقات الاستثمار عالميا وإزالة الاعتماد بنسبة كبيرة على دولة واحدة هي الصين بأكثر من 30 في المائة من صناعات العالم حيث ظهر خطر هذا الحجم في جائحة كورونا عندما بدأت الإقفالات التي جعلت الدول تستنفر لإعادة صياغة استراتيجياتها في الصناعة وسلاسل الإمداد، إضافة لاعتبارات عديدة أخرى متعلقة بالتنافس على المكانة الدولية لكل اقتصاد ضخم.