في زمنٍ باتت فيه الثقة هشّة، وأصوات من نحب قابلة للتقليد، تتوالى القصص التي لا تشبه أفلام الجريمة.. بل تشبه كوابيس الأمهات، ورعب الآباء، وخيبة الذين صدّقوا أن ما سمعوه كان صوت الحقيقة لا قناع الخداع.
قصص الاحتيال الإلكتروني لم تعد حيلةً بدائية عبر رسائل وهمية، بل تحوّلت إلى صناعة محترفة، تُتقن استخدام الذكاء الاصطناعي، وتُعيد تركيب الأصوات، وتصنع منها «أدوات عاطفية» للابتزاز.
«أمي، أنا في ورطة.. أرجوكِ لا تخبري أحداً.»، بهذه العبارة بدأ انهيار سيدة أمريكية، تلقّت مكالمة بصوت ابنتها المرتجف. صدّقت كل شيء.. وأرسلت المال، لكن ذلك لم يكن صوت ابنتها، كان مجرّد نسخة مزيفة، أنشأها الذكاء الاصطناعي عبر دقائق من تسجيل سابق.
اليوم، لا يسرق المحتالون الأرقام والحسابات فقط، بل يسرقون الأصوات والوجوه والمشاعر، يكفي تسجيل منشور على إنستغرام، أو مقطع صوتي عابر في حالة واتساب، ليتمكّن أحدهم من استنساخ صوتك واستخدامه لخداع من تثق بهم.
والأخطر أن التقنية المستخدمة في ذلك أصبحت متوفّرة للعامة، فبرامج «تقليد الصوت» و«دمج الهوية» تنتشر بسرعة، بينما تقف الشركات الكبرى، مثل OpenAI، أمام هذا الانفلات التكنولوجي بحذر نظري، دون آليات تنفيذية حقيقية.
وتعترف الشركة المُنتجة لـ ChatGPT، وأدوات الصوت المرتبطة به، بوجود خطر حقيقي، وتحاول وضع قيود على الاستخدامات الخبيثة. لكن المجتمعات تواجه هذه الحرب وحدها، من دون تشريعات واضحة، أو أنظمة رادعة.
ضمن هذه الفوضى الرقمية، لا تتوقف صور النصب عند تقليد الصوت، بل يتخفّى المحتالون خلف متاجر إلكترونية موثقة، يستخدمون أسماء مسجلة، ووسائل دفع مرخّصة، وإعلانات موثوقة.
علينا أن نفكر بحلول ضرورية: قبل أن يفوت الأوان، لا توجد تقنية تحميكِ مثل الحذر، ولا قانون يردع إذا لم يُنفّذ، ففي مواجهة هذه الهجمات الجديدة، لا بد من تحرّك مشترك بين:
الجهات التقنية (مثل OpenAI) التي تُنتج هذه الأدوات، والحكومات لتحديث أنظمتها القانونية والجنائية، المجتمع، لرفع الوعي والتدريب على طرق التحقق،
وهنا لا بد أن نتخذ بعض الإجراءات الوقائية التي تحمينا كأسر من هذا الخطر المسلط نحونا كاعتماد «كلمة سر عائلية» لا تُقال إلا في الحالات الطارئة.
عدم إرسال أي مبالغ مالية بناءً على رسالة أو تسجيل فقط، والامتناع عن نشر تسجيلات صوتية عشوائية، خصوصًا للأطفال أو كبار السن، والإبلاغ الفوري عند الشك بأي محاولة نصب صوتي أو إلكتروني.
ما يُوجع في هذه الحكايات ليس المال فقط رغم الضرر، بل أن يُخدعنا الصوت الذي نميزه عن آلاف الأصوات، أن يُصبح الحنان قناعًا، والدفء فخًا، والذكاء الاصطناعي أداة لكسر ما ظنناه حقيقيًا.
هذا المقال لتذكيركم فقط، ما نسمعه.. لم يعد دائمًا صادقًا، فاحذروا، وتحدثوا، وعلّموا من حولكم ألا يثقوا.. بصوتٍ فقط، وعندما تتلقوا هذه الرسائل الصوتية عليكم بالاتصال الحقيقي عبر أرقامهم المباشرة لتتحققوا من صاحب الطلب لتتأكدوا من حقيقة الحدث ومن صدق الحادثة.
كونوا بخير..