: آخر تحديث

سَنة أُولى شرْع

3
3
3

على الرغم من تنوّع الاستفزازات الإسرائيلية، ومنها استباق نتانياهو زيارته الخامسة إلى صديقه وحليفه ومشجّع عدوانه، الرئيس ترمب، بالقول لسفراء إسرائيل إنّ إسرائيل ستبقى في مناطق تحتلّها، حرص "الجمهور الشرعي السوري" على أن تكون احتفالية مرور سنة على إسقاط نظام بشّار الأسد لافتة؛ فقد غصّت ساحة الأمويين بالناس، وأمّا الرئيس أحمد الشرع فأدّى صلاة الشكر فجرًا في المسجد الأموي، مرتديًا -بغرض توجيه إشارة ما أو إشارات- البدلة العسكرية. كما جرت عروض عسكرية في محافظات عدّة احتفلت بالمناسبة، منها مدينة اللاذقية التي شهدت مسيرة عسكرية نظّمتها وزارة الدفاع. كذلك تم إصدار طوابع جديدة. ومن جهتها، حدّدت تركيا الدعم من خلال تصريح حكومي: "سنواصل بأقوى شكل دعم النظام الجديد".

وقد تَمثّل ختام السنة الأولى في تغيير النشيد الوطني العريق، الذي يبدأ ببيتين من الشعر هما:
"حماةَ الديار عليكم سلامُ... أبتْ أن تُذلّ النفوسُ الكرامُ.
عرينُ العروبةِ بيتٌ حرامُ... وعرشُ الشموسِ حِمىً لا يُضامُ."

وليس هناك توصيف لسوريا العروبة أدق من هذا التوصيف الذي صاغه عام 1936، في زمن ما قبل الاستقلال، الشاعر خليل مردم بك. وتعكس هذه المفردات التوق إلى الفضاء الوطني، والتمسّك بالمنهج العروبي، كما هو الحال في مطلع النشيد الوطني اللبناني (كلا النشيدين من تلحين الموسيقي اللبناني محمد فليفل):
"كلّنا للوطن... للعلى والعَلَم
سيفُنا والقلم... ملءُ عينِ الزمن"
.
ومن هنا، فإنّ إعادة النظر في النشيد الوطني السوري تبدو مستغرَبة من حيث الصيغة التي جاءت عليها الأبيات المقترحة. ونقول ذلك مع كامل التقدير للشاعر الراحل عمر أبو ريشة، الذي يُشير مؤشرٌ إلى احتمال اعتماد أبياتٍ من قصيدته لتكون النشيد الوطني الجديد، والتي مطلعها:
"في سبيل المجد والأوطان نحيا ونُبيد."

إنّ تغيير الأناشيد والأوصاف والتسميات حالة مألوفة لنظام جديد، أو لفعل ظرف غير مسبوق، مثل حالة الاتحاد بين كلٍّ من مصر عبد الناصر وسوريا القوتلي والبعث وسائر الأحزاب، حيث تمّت تسمية سوريا بـ"الإقليم"، ومصر بـ"الإقليم الجنوبي" ضمن "الجمهورية العربية المتحدة"، وهي تجربة جاءت متسرّعة، ولذا أُمكن تقويضها. وفي "العام الشرعي" الثاني، الذي بدأ يوم 8 كانون الأول (ديسمبر) 2025، هناك جدول لتغيير الأسماء، خصوصًا أسماء مدارس كثيرة سيتمّ استبدالها بأخرى تعكس "الطبعة الشرعية" للجمهورية العربية السورية.

لكنّ الأهمية في العام الثاني من "سوريا الشرعية" تكمن في كيفية انتهاء الأمر مع التحرّش الإسرائيلي، وتنوّع الضغوط، بما يشق الطريق أمام النظام نحو مفاوضات سورية - إسرائيلية مشتركة، ترعاها - ترهيبًا وتهويلًا - الإدارة الأميركية، وكذلك أيّ أسلوب ستعتمده تركيا الأردوغانية إزاء ذلك. وهنا يستوقفنا تصريح "وزير الشتات" في حكومة نتانياهو، الذي قال، بينما كان نتانياهو يستعد لزيارته الخامسة للرئيس ترمب، وفيما "سوريا الشرعية" تحتفل بمرور عام على قيامها:
"إنّ الرئيس أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان يقودان سياسة عدوانية هجومية ضد إسرائيل، وهما ينشئان الآن قواعد في شمال سوريا. ولهذا، على إسرائيل القيام بكل ما يلزم لعزل تركيا على المستوى الدولي."

إلى ذلك، كانت هناك أطراف عربية ودولية تغتنم المناسبة لإبداء وجهة نظرها في التجربة الحديثة العهد. ففي قطر، التي استضافت "منتدى الدوحة"، أطلق المبعوث الأميركي توم براك، عرّاب السعي الحثيث لدى الحُكم السوري للتفاوض مع إسرائيل، اقتراحًا افترض أنه سيُغري النظام الجديد، وهو: "إلحاق لبنان بسوريا". وهو أمر لم يكن مستحبًا سوريًا، ومبغوضًا من جانب الحكم اللبناني برئاساته الثلاث، وموضع امتعاض لدى الأطياف اللبنانية المتنوعة مذهبيًا، التي تراهن بعض قواها السياسية وأحزابها على الصديق الأميركي المتوقّع منه صون لبنان وصيغته. ورأت في براك، كما لو أنّه عضو في القيادة القومية لـ"حزب البعث"، يرى الإلحاق أو الضمّ أمرًا يحقّق الاستقرار. وفي دعوته غير المستحبّة هذه، جعل وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، يقول في المنتدى:
"إنّ سوريا لن توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل وهي تحتل جزءًا من أراضينا."
وهذا تصريح لا يروق للمبعوث براك سماعه، لا من مسؤول سوري، ولا من رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام. وقد ردّ براك على الشرع، بردٍّ يوصف بنقص الكياسة، قائلاً:
"إنّ كل قرارات الغرب بشأن الشرق الأوسط، منذ سايكس – بيكو، كانت خاطئة، وإنّ الرئيس اتخذ قراراته في شأن سوريا بعد دراسة معمّقة، وارتأى منح الفرصة للرئيس الشرع."

نستحضر، لمناسبة "سنة أولى شرع"، من الذاكرة تلك الظاهرة العربية – الأميركية – الأوروبية – الصينية – التركية، المتمثّلة في الترحيب غير المشروط بالمفاجأة السورية يوم الإثنين 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، حيث سارع الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أن تكون جمهوريته أوّل المرحّبين والمهنّئين والمشدّدين على اليد، والمتعهدين بالمؤازرة. وتمثّلت المؤازرة بإيفاد وزير الخارجية هاكان فيدان، الذي كان يشغل قبل ذلك منصب رئيس جهاز الاستخبارات. وقد بدا الترحيب المشترك من جانب الرئيس أحمد الشرع والوزير التركي لافتًا من حيث عمق العلاقة والصداقة. ويوماً بعد يوم، شقّت "جمهورية أحمد الشرع" الطريق، بعد تعبيده وملء المناصب، بحيث بدت سوريا جاهزة لمواكبة التطورات، وقراءة طبيعة العلاقات مع الدول الأخرى. ثم جاءت مبادرة وليّ عهد المملكة العربية السعودية، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، بشدّ أزر الرئيس أحمد الشرع، وجمعه بالرئيس دونالد ترمب، وهي حالة غير مسبوقة، باستثناء اصطحاب الرئيس جمال عبد الناصر في طائرته الخاصة، قائد حركة "فتح"، ياسر عرفات، في زيارة قام بها إلى موسكو، مقدّمًا القائد الفلسطيني للقيادة السوفياتية (بريجنيف – كوسيغين – بودغورني). وبهذا، يكون أحمد الشرع قد بات في الأجندة الأميركية، كما كان عرفات في أجندة ثلاثي الكرملين في ذروة عهده، أي قبل أن يجتاحه يلتسين، ثم أندروبوف، فالرئيس الصامد فلاديمير بوتين.

حمى الله سوريا... وسائليني يا دمشق، قصيدة سعيد عقل، ابن زحلة البار، عن سوريا العزّ والكرامة الوطنية. أمّا براك، فإنه ابن زحلة الذي تصرّف بما قاله كمن يقدّم لبنان، بمن في ذلك زحلاه، هدية الميلاد ورأس السنة لـ"سوريا الشرعية".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.