: آخر تحديث

عوائق الاندماج راهناًً

3
2
3

مع نهاية الشهر الحالي تنتهي المهلة التي تم تحديدها في اتفاقية 10 آذار (مارس) 2025 بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والتي تنص على اندماج قوات (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، مع تأكيدهما على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم. وبحسب ذلك الاتفاق، كان على لجان تنفيذية محلية العمل على تطبيقه بما لا يتجاوز نهاية العام الجاري؛ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: على أي أساس سيتم التقدم في مسار الدمج بينما عملياً لم يتم تنفيذ ولو شيء يسير من بنود تلك الاتفاقية؟ ولنفترض ها هنا بأننا وضعنا ما يتعلق بالشأن الكردي في الاتفاق جانباً، فيا ترى هل تم تنفيذ هذه البنود الثلاثة إلى الآن، أي: "ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية. ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية. رفض خطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري"؟ كما أن البند الثالث من ذلك الاتفاق نص على وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، بينما تجددت الاشتباكات بين الجيش السوري ومقاتلي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليل الاثنين - الثلاثاء، في محيط تلة سيرياتيل قرب سد تشرين في الريف الشرقي لمحافظة حلب، شمالي سورية؟

فالمُمعِن في بنود الاتفاق مقارنةً بما يجري على أرض الواقع سيرى بأن التوحد ليس بالأمر الهيّن وفق المعطيات الميدانية، وكذلك الأمر ليس من السهولة بمكان التآلف بين قوتين متضادتين في طريقة التفكير والعقيدة والغاية. كما أن كل من يراقب الوضع السوري سيلاحظ بأن مسافة التقارب تمددت كثيراً في الآونة الأخيرة بدلاً من أن تتقلص، ولكن مع ذلك فكلما اقترب العام من نهايته، وعوضاً عن مراجعة أسباب فشل اللجان في تنفيذ بنود الاتفاق، تتعالى أصوات أبواق السلطة في الطالعة والنازلة، وهي تتهم قوات قسد بأنها تتنصل من الاتفاق. بينما في حقيقة الأمر فإن تلك الصيحات المدمنة على المزايدة لا تريد حتى معرفة بنود الاتفاق الذي لم يصل إلى مستوى النضج، باعتبار أن اللجان التنفيذية لم تستطع العمل على تحقيق الأسهل من تلك البنود. بل وبدلاً من المساهمة في خلق مناخ إيجابي في البلد، وبدلاً من تهيئة الأجواء للتقرب بين مكونات المجتمع السوري، فإن دأب مطبلي السلطة في الفضائيات والتجمعات البشرية في الساحات العمل ليل نهار على التجييش الأعمى وتهييج المؤيدين وتهديد الأطراف الأخرى بالحشود الهائجة في الميادين، وهي على الملأ تعمل عمل البلطجة الجماعية، حيث إنها تحمل سيف السلطة وتلوح به تارةً بوجه العلويين، وتارةً بوجه الدروز، وتارةً بوجه الكرد. وعلى الأغلب لن يكون السني المعتدل نفسه بمنأى عن هذا التهديد إذا ما جاء الإيعاز بهجوم الهمجيين على تلك الفئة من قبِل شبيحة السلطة الجديدة بداعي حماية السلطة، بالضبط كما كانت تفعل سابقاً القطعان المنفلتة من شبيحة الرئيس الفار، وهي تُخوِّن أي منتقد وتدافع عن رأس النظام بالأنياب والمخالب.

إذ بالرغم من أن السلطة ما تزال مؤقتة وفي يفاعتها، وأمامها الكثير من المزالق والتحديات، كما أنه لم يثبت نجاحها المأمول لا في ملف الاقتصاد، ولا في إطار الخدمات، ولا في مجال سيادة القانون، ولا استطاعت التخلص من الحالة الفصائلية المعمول بها حتى هذه اللحظة في الشمال السوري، باعتبار أن فصائلها العسكرية ما تزال لها حواجزها ومعتقلاتها واقتصاداتها الخاصة بها، التي تفرض الإتاوات على المواطنين في مناطق نفوذها بعيداً عن سلطة الدولة، لذا فقبل الانتقال إلى مرحلة الاندماج بين قوات السلطة وقوات قسد، الأولى بوزارة الدفاع أن تعمل بداية الأمر على إدماج فصائل الشمال السوري في جيش الدولة، وجعلهم يتلقون تعليماتهم من الوزارة وينفذون أوامر الدولة السورية، وليس أن يستمر ولاؤهم لدول أخرى.

وإضافة إلى المذكور أعلاه، فإن ممارسات شريحة كبيرة من الموالين للسلطة الجديدة حتى النخاع تزيد من الهوة بين مكونات المجتمع السوري يوماً بعد يوم، إذ ما من مناسبة وطنية أو سياسية تطل برأسها في سورية إلا ويزيد الحشد المؤيد للسلطة القائمة من حجم الشروخ المجتمعية، بشعاراتهم القائمة على نفي الآخر وتخوينه واتهامه والتقليل من شأنه وإهانته، ناهيك عن الرغبة الجارفة بإشعال نار الفتنة وبث البغضاء، والتغني بأناشيد التهديد والوعيد بدلاً من الخطاب الإنساني الجامع الذي يعمل على تآلف الناس بدلاً من تنفيرهم وانفكاكهم، وتوسيع رقعة الجفاء والحث على القطيعة بينهم.

وللأمانة، فبالرغم من إلصاق كل مقابح الدنيا بالنظام البائد من قبل المطبلين الجدد، فإن الخطاب الاستعلائي لكتلة بغيضة من المحسوبين على السلطة الحالية تجاه مكونات سوريا من الكرد والدروز والعلويين أردأ عشرات المرات من خطاب مطبلي النظام المخلوع، ومستوى القرف في خطاب شبيحة السلطة الحالية أخفض من مستوى شبيحة نظام الأسد. وهو الأمر الذي يؤكد ما أشرنا إليه قبل سنوات من سقوط النظام، ألا وهو بأن مشكلة الخراب القيمي في سورية ليست مرتبطة بشخص الأسد ولا بطاقم السلطة، إنما بذهنية الأكثرية الشعبية في هذا البلد، الذي كان يحتاج إلى ثورة ثقافية وثورة فكرية وثورة قيمية قبل الثورة المسلحة، التي أخرجت كل مقابح المجتمع إلى السطح، بما أن الثورات المسلحة في المجتمعات المتخلفة عادةً ما تطيح بمريض سلطوي واحد، ولكنها تأتي بعشرات المرضى عوضاً عنه.

وفي نهاية هذه الوقفة، فطالما أن نقاط التباعد والاختلاف بين طرفي العلاقة هي أكثر من نقاط الجذب والتقارب، فالمُشاهِد العاقل سيرى بأن إمكانية اندماج قوات سوريا الديمقراطية مع قوات السلطة السورية الجديدة، وفق المجريات الراهنة، أشبه بإمكانية الاتحاد بين الزيت والماء. إضافةً إلى أن كل طرف منهما احتفظ بعقليته ومرتكزاته والشعارات التي تعبر عن كينونته بخلاف الآخر. إذن، كيف لجيشٍ يستلهم أفكاره ويستقي معارفه ومنطلقاته النظرية من كتب ابن تيمية الدينية ومشدود للماضي، وجيشٍ آخر يؤمن بفلسفة وأفكار زعيم يساري دنيوي معتصم بالحاضر، أن يصبحا جسماً واحداً ويخدمان هدفاً واحداً، بينما توجهاتهما وميولهما السياسية والعقائدية كحال القطب الشمالي والجنوب حتى هذه اللحظة؟ وكذلك الأمر، بناءً على فشل طرفي العلاقة في تطبيق أهم بنود الاتفاق بينهما، وليس من باب التشاؤم نقول إنه إذا كان التركيب الكيماوي بين المادتين المشار إليهما يمنع الاختلاط اليسير بينهما، فإن غياب الجسور الجامعة وغياب محفزات التداني، مع استمرار كل طرف على توجهه وولائه ومرجعيته، يشير إلى صعوبة الانخراط والانضمام، على الأقل في هذه المرحلة، إلا اللهم في حال ظهور عدو كبير مشترك بينهما، كما لمح إلى ذلك الشيخ محمود القادري الحسيني، وقتها فإنَّ وتيرة العمل على التكاتف والتقارب والاندماج ربما تكون سريعة، طالما كان الخطر يهددهما معاً.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.