في ربع نهائي كأس العرب، كُتبت واحدة من أكثر حكايات البطولة قسوةً على منتخبٍ لعب ليستحق، وخسر ليُظلم. خرج المنتخب العراقي أمام نظيره الأردني بهدفٍ وحيدٍ لا يعكس مجريات اللقاء، ولا يترجم ما دار فوق المستطيل الأخضر من سيطرةٍ وأداءٍ وشخصيةٍ كرويةٍ عالية، جعلت أسودَ الرافدين الطرفَ الأجدرَ بالعبور، فيما مضى النشامى إلى نصف النهائي بانتصارٍ شحيحٍ ومثيرٍ للجدل، ومن وجهة نظرٍ لم يكن مستحقاً قياساً بما قدّمه أسودُ الرافدين، الذين أبدعوا في السيطرة والعرض، ولفتوا أنظار المتابعين وعشّاق الكرة العراقية.
لا يمكن إنكار ما قدّمه النشامى من إثارةٍ وقوة، لكن المنتخب العراقي كان الأفضل فنياً، وضيّع عدداً من الفرص التي لو تُرجمت بالشكل الصحيح لاختلفت مجريات اللقاء. معظم الهجمات، وللأسف، لم تُثمر عن هدف.
منذ صافرة البداية، بدا العراق فريقاً يعرف ماذا يريد؛ استحواذٌ واثق، وانتشارٌ منظّم، وضغطٌ متواصل خنق مفاتيح اللعب الأردنية، وفرض إيقاعه على المباراة. تحرّكت خطوطه بتناغم، وتقدّم نجومه بثقة، حتى غدت الكرة عراقيةَ الروح والهوية، فيما بدا المنتخب الأردني متراجعاً، مترقّباً، يبحث عن فرصةٍ عابرة أكثر من سعيه لفرض أسلوبه.
غير أنّ كرة القدم، كما هي عادتها، لا تُنصف دائماً من يُجيد اللعب. ففي لحظةٍ معزولة عن سياق التفوّق العراقي، احتُسبت ركلة جزاء للأردن قبل نهاية الشوط الأول، ترجمها علي علوان إلى هدفٍ وحيد، كان كافياً لقلب ميزان النتيجة، لا ميزان الأداء. هدفٌ سبقته وأعقبته دقائق عراقية خالصة، ضغطاً ومحاولاتٍ ومحاصرةً للمرمى الأردني.
في الشوط الثاني، تحوّل الملعب إلى مسرحٍ لمحاولات عراقية لا تهدأ، وهجماتٍ متلاحقة قادها المهاجم علي جاسم، الذي قدّم واحدةً من أجمل مبارياته، مراوغاً ومصوّباً وصانعاً للخطر في كل كرة. خلفه، تألّق المدافع أكام هاشم بثباته وقراءته العالية للعب، فيما وقف الحارس أحمد باسل سدّاً منيعاً، منقذاً مرماه، ومؤكّداً أنّ الخسارة لم تكن يوماً انعكاساً لضعفٍ أو تراجع.
لكن تألّق حارس الأردن يزيد أبو ليلى كان العنوان الأبرز في حرمان العراق من هدف التعادل. تصدّيات متتالية، وخروجٌ موفّق، وقراءةٌ حاسمة للتسديدات والكرات العرضية، جعلته نجم النشامى الحقيقي، وأبقى النتيجة معلّقة على خيطٍ رفيع حتى اللحظات الأخيرة.
هكذا، ودّع العراق البطولة، لا لأنّه كان أقل، بل لأنّه اصطدم بسوء الطالع، وبواقعيةٍ قاسيةٍ لا تعترف إلا بالأهداف.
وداعٌ موجعٌ لمنتخبٍ صاحب تاريخٍ وحضورٍ جماهيريٍ طاغٍ، أضفى على كأس العرب نكهتها الخاصة، وكان جديراً بمواصلة المشوار في المربع الذهبي.
وفي صورةٍ أوسع، لم يكن خروج العراق استثناءً، بل حلقةً في سلسلةٍ من التعثّر والظلم، طالت منتخباتٍ قدّمت كرةً جميلةً وأداءً مقنعاً، لكنها غادرت مبكراً في بطولةٍ باتت تُكافئ الانضباط والواقعية أكثر مما تُكافئ الجمال. ومع ذلك، سيبقى ما قدّمه أسودُ الرافدين شاهداً على منتخبٍ خسر النتيجة وربح الاحترام.
مبارك للنشامى صعودهم إلى نصف النهائي، وبانتظار نتيجة مباراتهم اليوم الاثنين أمام السعودية، وهاردلك لأسود الرافدين، الأبطال الذين نجحوا في كسب الجماهير العريضة بالرغم من خسارتهم بهدفٍ فاجأ الجميع.
المستقبل لا بدّ أن يكون قريباً لترجمة ما يحلمون به إلى نتائج تُرضي عشّاق الكرة العراقية ومتابعيها، وما أكثرهم.


