: آخر تحديث

من يخلّدنا أكثر القلم أم العدسة؟

3
3
3

في زمن باتت فيه أعمارنا تلتقط بعدسات وتُروى بمقاطع يظل السؤال قائماً أيهما أشد خلودا، الكتاب أم الفيديو؟ فالأمر ليس في الطول أو القصر، بل في الكيفية التي تلتقط بها الوسيلة روح التجربة لا مظهرها.

ففي كلمات الكتاب نبض هادئ يستمرّ عبر الزمن ، وفي لحظات الفيديو حياة تنبض بالصوت والصورة.

لكن بين الحبر والضوء مساحة لا يراها أحد، إنها المسافة بين ما تظهره للكاميرا، وما نخفيه عن الورق.

فالكلمة تخلّد ما فكرنا به والصورة تخلّد ما تظاهرنـا بـه.

فالكتابة تحتاج وقتا لتُصفّي ما فينا من ضجيج، أما العدسة فتخطفنا كما نحن بعفويتنا، وارتباكنا، وصدق لحظة لم تحسن ترتيبها.

ولعلّ هذا ما يجعل الإنسان المعاصر حائرًا بين أناه التي تُكتب، وأناه التي تُصوّر. فمن نحن ؟ هل نحن ما ندونه بحروف واعية أم ما يلتقطه الضوء في لحظة بلا وعي ؟ فلكل منهما خلوده بطريقته.

لكن الخلود الحقيقي لا يسكن في الوسائط

بل في الصدق الذي يسري في النص أو في النظرة، في نبرة الصوت أو

ارتعاشة الفكرة. فوثّق ذاتك بأسلوبك الذي يشبهك . لكن تذكّر أن ما يُكتب بالضوء قد يبهت مع

الزمن، وما يُكتب بالروح... يبقى بعد غيابك طويلا.

كأنه ظلك الذي تعلّق بالحياة ورفض أن يرحل. وفي النهاية، لسنا بحاجة إلى كاميرات كثيرة بقدر ما نحتاج إلى لحظة صدق واحدة.

فالزمن لا يحتفظ بالوجوه، بل يحتفظ بالمعنى الذي تركوه. فقد يختفي الكتاب في رف منسي، وقد يُنسى الفيديو في ذاكرة رقمية، لكن ما صُنع من روح خالصة لا يفنى، لأن الخلود ليس في الصورة ولا في الحرف، بل في الأثر الذي يبقى حين ينطفئ كلّ شيء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.