: آخر تحديث

الحب والصمت العقابي

2
2
2

سارا القرني

الحب.. هو اللغة التي تمنح الروح معنى، والنبض الذي يوقظ فينا الحياة. لكنه قد يتحول في بعض العلاقات إلى أداة هدم بدلًا من أن يكون وسيلة بناء. وأقسى صور هذا الهدم هي حين يتسلل الصمت العقابي إلى العلاقة، ليصبح هو سيد الموقف.

الصمت العقابي ليس مجرد توقف عن الكلام، بل هو حرب صامتة، سلاحها التجاهل، وذخيرتها الإهمال، وهدفها إخضاع الطرف الآخر نفسيًا وعاطفيًا. وأكثر من يستخدم هذا النوع من العقاب هم النرجسيون، لأنهم يدركون قوته في السيطرة على الضحية دون أن يتركوا أثرًا مباشرًا يمكن محاسبتهم عليه.

النرجسي يعرف أن غياب صوته وحضوره يخلق فراغًا عاطفيًا هائلًا، فيدفعك هذا الفراغ للركض نحوه محاولًا إرضاءه بأي ثمن. فتبدأ بالتنازل عن نفسك، تتخلى عن كرامتك، وتكسر مبادئك فقط لتراه يبتسم أو يلين. لكن الحقيقة المرة أن كل خطوة تقوم بها نحوه في هذه اللحظة تزيده جفاءً وقسوة، لأنه يرى في خضوعك انتصارًا، وفي حبك ضعفًا يمكن استغلاله.

إن البقاء في هذا السجن العاطفي يعني أنك رهنت مشاعرك ومصيرك بمزاجية شخص لا يراك ندًا، بل أداة لإشباع غروره. والأسوأ أنك قد تنتظر حنوه سنوات، بينما هو يعيش حياته غير آبه بما تعانيه، وربما ينسى وجودك أحيانًا.

لكن اللحظة الفارقة تأتي حين تدرك أن الصمت العقابي ليس تعبيرًا عن الحب، بل عن التحكم والسيطرة. أن تصحو على وعي يجعلك ترى أن استمرارك في هذه اللعبة لا يؤدي إلا لخسارة نفسك. وهنا، يصبح القرار الصحيح هو الانسحاب، ليس هروبًا من الحب، بل إنقاذًا لروحك من التلاشي.

عندما تختار أن تغادر، تترك النرجسي في دائرته المفرغة التي اعتاد أن يُدخلك فيها، فيجد نفسه فجأة بلا ضحية يفرغ عليها سطوته. حينها، ينقلب السحر على الساحر، ويكتشف أنه خسر أهم شخص دخل حياته، لكن بعد فوات الأوان.

الحب الذي يسلب صوتك ليس حبًا، والحب الذي يجعلك تخشى أن تكون على حقيقتك ليس حبًا. الحب الحقيقي يسمعك حتى في صمتك، ويحتويك دون أن يفرض عليك الخضوع أو التنازل عن كرامتك.

ضع قلبك في المكان الذي يُصان فيه، لا في المكان الذي يُستغل فيه. فالقلب ليس جائزة لمن يربحك في لعبة نفسية، بل هو عهد لمن يعرف قيمته ويحفظه.

إن وعيك بهذه الحقيقة هو خط دفاعك الأول، وخطوتك الأولى نحو حياة تستحق أن تُعاش بحرية وكرامة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد