جمال الكشكي
نقطة مركزية فاصلة وحاكمة في مشهد الاستقرار الإقليمي والعالمي تتعلق بحالة ظهور الميليشيات والتنظيمات والجماعات العابرة للحدود، تلك الحالة التي غيبت المؤسسات الوطنية من العواصم العربية فأصبحت الخرائط في قبضة مزالق مجهولة تتجدد حسب وصفات صانعي هذه الحالة.
لا أبالغ إذا قلت إن الحرب الإسرائيلية على غزة هي الحرب الكاشفة لهذه الحالة المستطيرة التي تحتاج إلى تمكين الدولة الوطنية من مفاتيح الاستقرار، بعيداً عن المصالح الضيقة التي قد تطيح في بعض الأحيان بالأفكار العظمى الوجودية.
في هذا السياق ثمة وقفة مع جوهر القضية الفلسطينية حتى نصل إلى الشاطئ بوجود دولة فلسطينية حقيقية وطبيعية. لا شك أن الحرب الحالية الدائرة منذ عامين ستضع أوزارها، وهناك خلف الكواليس مفاوضات وتحركات تقوم بها الدول الوازنة والمسؤولة من أجل إيقاف الحرب وعدم اتساعها، والحفاظ على مقدرات الإقليم وجواره غير العربي.
بالطبع، المفاوضات والمباحثات تدور بعيداً عن أعين الإعلام مع الجهات الفلسطينية النافذة لتوحيد الصف أولاً، وتقديم قضية الشعب الفلسطيني على أي قضايا أخرى، والتسامي على مفهوم الأحزاب.
كما قلت إن القضية الفلسطينية ملهمة سلباً وإيجاباً للمنطقة، فقد رأينا بعد خمسة عقود، أن الدول في الإقليم العربي تستعيد مفهوم الدولة الطبيعية التي عبر عنها الألماني، ماكس فيبر، بأن الدولة تحتكر وتمتلك وتستخدم السلاح منفردة.
حين حددت الأمر بخمسة عقود، كنت أعني اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، التي كان للفصائل الفلسطينية فيها نصيب الأسد، وبالطبع لا ننسى مذبحة أيلول الأسود عام 1970 في الأردن، صحيح أن الفلسطينيين خرجوا من الأردن ولبنان منذ أمد بعيد.
بعد الخروج الإسرائيلي بقي السلاح في يد حزب الله، وتنامى حتى خرج على سيطرة الدولة التي قررت أخيراً، حصر السلاح بيد الدولة وحدها، وكذلك اتخذ العراق قراراً بالشيء نفسه، ودعا إلى حصر السلاح بيد الحكومة المركزية.
من العراق إلى ليبيا، حيث تأتي الأخبار بدمج المؤسسات المتشظية، وحصر السلاح أيضاً بيد الدولة وإنهاء عمل الميليشيات وتوحيد مؤسسات الدولة.. هذا هو المفهوم الذي أدركته الدولة الوطنية، بعد تجربة مريرة، عندما تهاونت الدول، وتغاضت عن تنامي السلاح والميليشيات.