: آخر تحديث

دور العزيزين توماس وإسحاق

2
2
2

على الرغم من حصول توماس إديسون (1847 ــ 1931) على 2332 براءة اختراع عالمية، فإن إحدى مساهماته الخالدة في المجتمع الحديث، التي لا يتم التطرق إليها، تتعلق باختبارات اختيار الموظفين.

لم يكن إديسون مخترعاً غزير الإنتاج فحسب، بل كان أيضاً رجل أعمال مسؤولاً عن إمبراطورية صناعية، وهذا جعله يميل إلى روحية التاجر الباحث عن الربح، أولاً، ودفعه ذلك للتخلي قليلاً عن «نكران الذات»، الذي طالما اشتهر به المخترعون.

في سعي إديسون للبحث عن موظفين مميزين قادرين على اتخاذ قرارات عمل فعّالة، قام بابتكار استبيان لتقييم معارف وشخصيات المرشحين للوظائف. وبدأ في أواخر القرن 19 باستخدامه، وتطورت الطريقة والأسئلة مع الوقت، وتوسّعت لتشمل أسئلة لا تتعلق مباشرةً بالوظيفة، مثل تقديم الحساء للمرشح، ومعرفة ما إذا كان سيقوم بتتبيله أو إضافة الملح له، قبل تذوقه، فمن فعل ذلك يُستبعده، لأن ذلك أوحى بميله إلى العمل بناءً على افتراضات.

وفي 1921 أطلق اختبار معرفة يتكون من 140 سؤالاً متنوعاً، وفق المنصب الوظيفي المطلوب شغله، وطُلب من جميع المتقدمين للمقابلة معلومات خارج نطاق تخصصهم، تراوحت الأسئلة بين: من أين نحصل على البرقوق؟ إلى: في أي مدن تُصنع القبعات والأحذية؟ أو: اذكر ثلاثة سموم قوية؟ وكان النجاح يتطلب الحصول على 90%، وعادة لم يكن ينجح إلا القلة، وفشل من الـ٧١٨ الذين خضعوا للاختبار الأول «ابنه»، الطالب في MIT، والعالم «أينشتاين»، لأنه نسي سرعة الصوت.

ولا تزال استراتيجية إديسون في استجواب المرشحين لتقييم شخصياتهم وكفاءاتهم مستخدمة حتى اليوم بعد مرور أكثر من مئة عام عليها.

أما صاحب الفضل الأكبر على البشرية فهو الإنكليزي إسحاق نيوتن (1643 ــ 1727)، الذي توفي قبل 300 عام تقريباً، فهو صاحب أعظم الاختراعات والاكتشافات، التي أضاءت العقل البشري، منذ يومها، وأنارت الطريق أمام آلاف العلماء، اعتماداً على نظرياته كقوانين الحركة والجاذبية، التي أصبحت الأساس الرياضي لوصف حركة الأجسام في الفيزياء الكلاسيكية، وما زالت تُدرّس وتُستخدم في مجالات الهندسة والميكانيكا والفضاء، حتى اليوم، وغالباً للأبد. فقد وضع قانون الجذب العام، الذي وحّد بين حركة الأجسام على الأرض وحركة الأجرام السماوية، وأثبت أن قوة الجاذبية نفسها تحكم سقوط التفاحة ومدار القمر والكواكب، ما منح رؤية موحَّدة للكون المادي، كما كانت مساهماته الرياضية في تأسيس حساب التفاضل والتكامل حاسمة، ربما لهذا لم أستوعبها يوماً.

كما اكتشف نيوتن، منذ 275 عاماً، أن الضوء الأبيض مكوَّن من ألوان الطيف، من خلال تجربة منشور الزجاج، وأدت نظريته للربط بين اللون وطبيعة الضوء نفسه. كما صنع أول مقراب عاكس عملي، التلسكوب العاكس، وفتح الباب أمام تطور كبير في الرصد الفلكي، كما كان مؤلفة الشهير «المبادئ» Principia، الذي وضعه عام 1687، فتحاً عظيماً أمام العلم، ويُعد من أهم الكتب في تاريخ الإنسان، وتفرُّد إسحاق نيوتن جاء نتيجة قدرته على الجمع النادر بين عمق التفكير الرياضي، والخيال الفيزيائي، وطريقة جديدة تماماً لفهم الكون وتنظيم المعرفة العلمية، فكان الأول في أمور عظيمة شتى، وبين صورة جديدة للكون كمسرح تحكمه قوانين بسيطة دقيقة يمكن كتابتها في معادلات، ووضع بالتالي حداً للتفسيرات الغيبية أو الأسطورية لحركة الأجرام السماوية، وقليل جداً من العلماء في التاريخ استطاعوا أن يضعوا نظرية شاملة بهذا الاتساع والدقة غيّرت كل ما بعدها في الفيزياء والهندسة والفلك، وكان لكل هذا أثره في الثورة العلمية وعصر التنوير. واليوم يرى كثير من المؤرخين والعلماء أنه لم يوجد فرد آخر ساهم في نشوء العلم الحديث بقدر ما ساهم نيوتن، وهذا ما يجعله شخصية تكاد تكون فريدة في تاريخ المعرفة البشرية.



أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد