كما اختفى «ماء الغريب» Gripe water من حياتنا، واختفت مادة الاسبستوس من قائمة مواد البناء، فقد اختفت بودرة التلك Talc Powder، أو كادت، من حياتنا، خصوصاً تلك التي كانت تحتوي على مواد مسرطنة، فما قصة بودرة التلك؟
تُصنع البودرة من معدن ناعم طبيعي، يتكون أساساً من المغنيسيوم والسيليكون والأكسجين، ويتميز، كمسحوق، بقدرة امتصاص عالية، ويساعد في الحفاظ على جفاف البشرة، وتقليل الاحتكاك، ومنع الطفح الجلدي، مما يجعله شائعاً في العناية الشخصية واستخدامات التجميل.
يعود استخدام «التلك» إلى آلاف السنين، حيث استخدمه قدماء المصريين والرومان لأغراض صحية وتجميلية، كبودرة للوجه وكقاعدة لمكياج العيون، كما استُخدم في الطب التقليدي ومختلف الحرف اليدوية في الثقافات القديمة. وفي القرن التاسع عشر، اتسع استخدام التلك بشكل كبير، مع اكتشاف رواسب كبيرة من تلك المادة في ولاية أونتاريو الكندية، وهذا أدى إلى تعدينه تجارياً. وخلال تسعينيات القرن التاسع عشر، بدأت شركات، مثل جونسون آند جونسون، باستخدام التلك لتخفيف تهيج الجلد الناتج عن اللصقات الطبية. وبحلول نهاية ذلك القرن، طُرِحَت بودرة «جونسون للأطفال»، مما ساعد على ترويجها كمنتج منزلي للأطفال والبالغين. ومع أوائل القرن العشرين، أصبحت بودرة التلك مكوناً أساسياً في مساحيق الأطفال، والوجه، ومزيلات العرق. وسوّقت الشركة الرئيسية المنتجة له، وشركات أخرى، البودرة بشكل أساسي للنساء والأطفال الصغار، مستخدمةً إعلانات ذكية، رسّخت مكانتها في مستحضرات التجميل والنظافة الشخصية. لكن مع الوقت بدأت تظهر مخاوف علمية وبيئية من استخدامها لاحتوائها على رواسب طبيعية من التلك أحياناً، ومن الأسبستوس، وهي مادة مسرطنة معروفة. ومع سبعينيات القرن الماضي، بدأت الهيئات التنظيمية باشتراط خلوّ بودرة التلك المستخدمة في مستحضرات التجميل منها، بعد أن أثارت الأبحاث مخاوف بشأن الروابط المحتملة بين الاستخدام الطويل الأمد لبودرة التلك في المنطقة الحساسة، وزيادة خطر الإصابة بسرطان المبيض، على الرغم من أن الإجماع العلمي لا يزال محل جدل. ونتيجةً لذلك، تحوّلت الشركات المصنّعة الكبرى، في السنوات الأخيرة، إلى تركيباتٍ أخرى أساسها نشا الذرة.
يعود أصل كلمة «التلك» talc إلى لغات عدة، وقد مرّت بتحولات عبر التاريخ، وجاءت إلى اللغات الأوروبية من اللاتينية الوسيطة Medieval Latin talcum أو talc، التي كانت تستخدم للدلالة على معادن شفافة أو لامعة مثل التلك أو الميكا، والكلمة اللاتينية مشتقة بدورها من الكلمة العربية «طلق»، التي كانت تُستخدم لوصف معادن شفافة أو لامعة ومتنوعة. أما أصل الكلمة العربية فيُرجع إلى اللغة الفارسية talk «تلک»، التي كانت تشير إلى «دواء» أو «مادة طبية»، وقد استُعملت لاحقاً لوصف هذا المعدن اللين.
إجمالاً، الكلمة تعكس تاريخاً لغوياً يمتد من الفارسية إلى العربية، ثم إلى اللاتينية الوسيطة، وأخيراً إلى اللغات الحديثة، وكانت ذات استخدام في وصف معادن ذات خصائص شفافة أو دهنية ومُستخدمة في تطبيقات متعددة.
ختاماً، من الضروري تجنّب شراء المنتجات الرخيصة من هذه البودرة، والحرص على قراءة محتويات أية علبة منها، فالنقاش العلمي حول مدى الأمان في استخدامها لا يزال مستمراً.
أحمد الصراف