عماد الدين حسين
هل كان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان يتخيل أن يأتي رئيس جديد ليجلس على كرسي الرئاسة نفسه، ويكون من تياره الفكري والسياسي نفسه تقريباً، لكنه يتصرف بصورة مغايرة تماماً في ما يخص استخدام التعريفات الجمركية لحل مشاكل وأزمات عميقة في الاقتصاد؟
للأجيال الجديدة، فإن ريغان ولد عام 1911، وتوفي عام 2004، وتولى رئاسة الولايات المتحدة لفترتين، من 1981 حتى عام 1989.
كان ريغان في بداياته ديمقراطياً ليبرالياً، وبدأ حياته مذيعاً رياضياً، ثم صار ممثلاً في هوليوود، وكان رئيساً لنقابة ممثلي الشاشة، لكنه بدأ يميل إلى الحزب الجمهوري، وكرس جزءاً من حياته لمحاربة النفوذ الشيوعي.. وانتخب حاكماً لولاية كاليفورنيا عام 1966، وترشح مرتين للرئاسة عام 1968 و1976، ولم يوفق، إلى أن فاز في انتخابات 1981.
المهم أن ريغان اخترع ما يمكن تسميته بسياسة اقتصادية تنسب إليه، سميت بـ «ريجانوميكس»، وهي الاستفادة من الموارد الجانبية، والعمل على تخفيض معدل الضرائب لتحفيز النمو الاقتصادي، والسيطرة على العرض النقدي للحد من التضخم، ورفع القيود الاقتصادية، وتخفيض الإنفاق الحكومي. وسياسياً، نعرف أنه دخل في عملية تحدٍ ضخمة مع الاتحاد السوفييتي، ورفع الإنفاق العسكري، ما كان سبباً أساسياً في انهيار الاتحاد وتفككه.
ورغم أن ريغان صار زعيماً يمينياً جمهورياً متشدداً في السياسة والاقتصاد، إلا أنه لم يؤمن إطلاقاً بسلاح التعريفات الجمركية المرتفعة لحل مشاكل الاقتصاد. وهناك مقطع فيديو مهم منتشر على وسائل التواصل لريغان عام 1987، خلال ولايته الرئاسية الثانية، ويبدو الآن وكأنه مصمم للرد على ترامب وأفكاره في فرض التعريفات الجمركية على كل دول العالم، بنسب مختلفة، تبدأ من 10 %، وتصل إلى 145 %، كما هو الحال مع الصين.
يقول تفريغ فيديو الرئيس ريغان نصاً: «عندما يقترح أحدهم أن نفرض تعريفات على الواردات الأجنبية، قد يبدو ذلك وكأنه تصرف وطني لحماية المنتجات والوظائف الأمريكية، وأحياناً يبدو أنه ينجح على المدى القصير، لكن على المدى القصير فقط، فما يحدث لاحقاً هو الآتي: في البداية تبدأ الصناعات المحلية في الاعتماد على حماية الحكومة في صورة تعريفات مرتفعة، فتتوقف عن التنافس في ما بينها، وتتوقف عن الابتكار وتطوير التكنولوجيا اللازمة للنجاح في الأسواق العالمية، وفي الوقت نفسه، يحدث أمر أسوأ، وهو أن التعريفات الجمركية الباهظة تقود لا محالة إلى ردود فعل انتقامية من الدول الأخرى، واندلاع حروب تجارية شرسة، والنتيجة هي المزيد ثم المزيد من التعريفات الجمركية، ثم زيادة في الحواجز التجارية، وتراجع في المنافسة، وبسبب الأسعار التي ارتفعت نتيجة التعريفات الباهظة التي تدعم ضعف الكفاءة وسوء الإدارة، يتوقف الناس عن الشراء، ثم يحدث الأسوأ، وهو انكماش الأسواق، ثم انهيارها، وإغلاق الشركات والمصانع أبوابها، ويخسر ملايين الناس وظائفهم».
ما سبق، هو نص ما قاله ريغان، الذي شهدت رئاسته صعوداً أمريكياً في الاقتصاد والسياسة، والأهم العمل على انهيار المنافس الرئيس، وهو الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة عالمياً، والقطب الواحد، بعد أن كان العالم يحكمه قطبان متنافسان، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
المعروف أن ترامب من المعجبين إلى حد كبير بريغان، ولا أعرف، هل قام بعض مساعدي ترامب بعرض ما قاله ريغان عن سلاح التعريفات الجمركية؟! يقول بعض المراقبين إن شخصية ترامب يمكن أن تغير رأيها في أي قضية في أي وقت، لكنه شديد التمسك والثبات في قضيتين، الأولى الهجرة غير الشرعية، والثانية شن الحروب التجارية.. وإذا كان يجد بعض التأييد للقضية الأولى، على الأقل وسط جمهوره المحافظ، فإن غالبية المسؤولين الأمريكيين في إدارته لا يستطيعون الدفاع عن سلاح التعريفات الجمركية.
السؤال: هل يعيد ترامب النظر في تعامله مع سلاح التعريفات الجمركية؟. من الواضح أنه بدأ النزول التدريجي عن الشجرة العالية التي صعد إليها، فالمعروف أنه قرر أن يؤجل تطبيق التعريفات 90 يوماً، وروج بين أنصاره أن 75 دولة طلبت التفاوض معه للوصول إلى اتفاقيات جديدة، تعيد التوازن للمبادلات التجارية.. هو أيضاً، ورغم أنه رفع التعريفة الجمركية على السلع الصينية بنسبة قياسية، وهي 145 %، إلا أنه صرح نهاية الأسبوع الماضي بأنه يدرس تخفيض الرسوم على الواردات الصينية.. والسر بطبيعة الحال، أن بكين ردت بالمثل.
التقديرات أن كلمة السر وراء تراجع ترامب، أن الأسواق الأمريكية شهدت أكبر عملية تراجع منذ سنوات. وحسب شبكة «سي.إن.إن»، فإن أمريكا والعالم تعلما الدرس الأشد رعباً، بشأن ولاية ترامب الثانية: فهذه المرة كان انهياراً اقتصادياً مفتعلاً ذاتياً، وفى المرة القادمة، قد يكون أزمة أمن قومي.
التقديرات تضيف أن ترامب تراجع بعد أن أطلعه كبار مساعديه على أن الاستمرار في هذا المسار، قد يؤدي إلى كارثة، خصوصاً في سوق السندات الأمريكية المصنفة بأنها الأكثر أماناً في العالم، لكن ما حدث، هو موجة بيع سندات ضخمة لمدة 48 ساعة، أثارت مخاوف ضخمة بين الجميع، بما فيهم مؤيدو ترامب.
وبعد عصيان «كاليفورنيا» ضد تلك التعريفات، تقدم تحالف يضم 12 ولاية العصيان قبل يومين، بدعوى قضائية ضد إدارة ترامب أمام المحكمة الأمريكية للتجارة الدولية، لوقف تطبيق سياسة الإدارة الخاصة بالرسوم الجمركية. هل يستمر ترامب في التراجع وإعادة قراءة كلمات ريغان، أم يستمر في المغامرة إلى النهاية، ليس فقط في التعريفات الجمركية، ولكن في كل المجالات؟!
لا أحد يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يفعله ترامب!