يوم عمل اعتيادي، وأنت غارق في مهامك، وفجأة تصل تلك الدعوة البريئة: "اجتماع عاجل لا يتعدى عشر دقائق لمناقشة كذا وكذا"، يا لها من عبارة خادعة! تلك الدقائق العشر سرعان ما تتحول إلى ملحمة زمنية تمتد لساعات طوال، ويخرج منها الجميع بوعود جديدة باجتماعات أخرى "عاجلة" بالطبع!
إنها ظاهرة عالمية، "اجتماع عاجل ولكن…"، تلك الكلمات الساحرة التي تفتح أبواب الجحيم الزمني في عالم الشركات، حيث تبدأ الوجوه مشرقة، والجميع على أهبة الاستعداد للإنجاز، ثم ما تلبث أن تتغير ملامحها تدريجيًا مع انقضاء الدقيقة العاشرة، ثم العشرين، ثم ساعة كاملة، لتبلغ قمة اليأس عند سماع جملة المدير الأزلية: "لدي نقطة أخيرة أود طرحها"، هنا تنهار كل آمال العودة إلى العمل المنتج.
ولا يخفى على كثيرين أن بعض الموظفين يكونون سعداء بتلك الاجتماعات التي ستبعدهم قليلًا عما تم تكليفهم به من أعمال، أو رغبة في لقاء ورؤية زملاء وزميلات في إدارات أخرى، قد تكون تلك الرؤية تسطيحًا لتلك القضية المهمة، إلا أنها تظل واقعًا يُخرج الموظف من رتابة العمل اليومي، وتفريغ شحنة الكسل في مشاهد أكثر ديناميكية.
في هذه المساحة الزمنية المعلّقة، تتجلى أروع فنون البقاء؛ فهناك من يتقن فن التواري خلف الكاميرا المغلقة، محاولًا شحن هاتفه أو إعداد وجبة خفيفة خلسة بعيدًا عن أعين الرقابة، وهناك أيضًا أبطال التفاوض الصامت، الذين يحاولون إيصال رسالة "أنا مشغول" بنظرات عابرة أو تنهدات خفيفة، ولا ننسى خبراء "الربط بالموضوع"، الذين يسعون بشتى الطرق لإعادة دفة الحديث إلى مساره الأصلي، غالبًا دون جدوى.
أما اللحظة التي تبلغ فيها الفكاهة ذروتها، فهي عندما يتم الإعلان عن "النقطة الأخيرة" التي سرعان ما تتحول إلى أجندة جديدة كاملة لاجتماع قادم، إنه ليس مجرد اجتماع، بل هو اختبار للصبر، وللقدرة على إخفاء الملل، ولفن الظهور بمظهر "المنتبه جدًا" بينما عقلك يخطط لوجبة العشاء.
ولكن في نهاية المطاف، ومع كل تنهيدة جماعية عند انتهاء الاجتماع، يظل هذا الجزء من روتين العمل يمتلك سحره الخاص، سحرًا يجمعنا على حس الفكاهة المشترك، ويثبت أن الضحك هو خير علاج لـ"الاجتماعات العاجلة التي لا تنتهي أبدًا".
ويبقى الاجتماع القصير –الماكر– أيقونة دائمة في دولاب العمل المؤسسي، غير الملتزم ببرنامج الاجتماع وبنوده ووقته المحدد سلفًا بـ10 دقائق.