كتبت غير مرة عن الاستثمار الأهم في الحياة، وبالطبع غير العمل لآخرتنا وكل ما يقرب من الجنة ويبعد عن النار. هنا الإشارة إلى الاستثمار بالأبناء. والأكيد أن أنبياء وعلماء ومختصين ومفكرين هم من وجه إلى ذلك. لكن في زمننا الجاري ووسط التسارع الحياتي وسيطرة التقنية، لتكون "التربية المباشرة" للأبناء أقرب للاندثار وهو ما يهدد بناء الأسرة وينذر بإضعافها. لنعترف أن ذلك يأتي من إهمال وعدم تحمل المسؤولية من قبل الوالدين، وكأنهم لا يدركون بأنها تنطلق من سمو تربوي أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالاهتمام بالأبناء أمانة أسرية واجتماعية وواجب أخلاقي تسأل عن تبعات التقصير به الأجيال، ولا لوم إلا على الوالدين إن أخفق الأبناء.
ولعل من نافلة القول الحديث عن مفهوم التربية الحسنة حيث يقول المنطق: إنه من السهولة أن تنجب، لكن ليس سهلاً أن تُربي من تنجب".. يحدث هذا قبل أن ينظر كل منّا إلى أبنائه وبناته على أنهم امتداده في الحياة.. وحاملو اللواء من بعده، لذا باتت التربية والاستثمار في الأبناء من أهم المقومات التي تصنع إنساناً مدركاً إيجابياً مفيداً لنفسه وعائلته ووطنه. نؤكد على ذلك ونحن وسط المعمعة المخلة بالتربية تلك التي تخضع لتسابق الفضائيات والتقنيات وما تحمله من إشعال فكري شبه كامل لكل أفراد الأسرة. وهنا تحضر أهمية الأسرة والحاجة الماسة لها في التربية والتوجيه في هذا الزمان أكثر من السابق، ناهيك عن ما يخضع له بعض الأبناء من هجوم فكري متواصل يحاول تشويه أفكارهم وتشويشها وغرس العدائية ضد كل ما ينتمي للوطن وأصالتنا ومجتمعتنا.
قد يكون لنمط الحياة المتسارع والكد والجهد من قبل الوالدين لتأمين الحياة المادية الكريمة لأبنائهم دور في الابتعاد عنهم؛ لكن غرس القيم والتأسيس الأخلاقي المثالي هو ما نرمي إليه في ظل أن هناك من يعاني من إهمال الأبناء وتركهم لأصحاب التأثير عبر وسائل التواصل، بعيداً عن رقابة الوالدين الذين شغلتهم الدنيا حتى باتوا غير معنيين بهم. وهنا لست ضد السعي وطلب الرزق، وآباؤنا وأجدادنا قد هاجروا عقوداً لطلبه، تاركين بلادهم وأهليهم وأبناءهم ولم تنهر المجتمعات ولم تتحلل؟! والرد على ذلك أننا ننشد التوازن.
هنا جدير أن لا أكون مبالغاً إذا أشرت إلى أن الدراسات الموثقة التي تحلل أسباب انحراف الأبناء كان السبب الرئيس فيه غياب الوالدين وانشغالهم عنهم، ليجعلوا من تلك المساحة الفارغة تُملأ من قبل آخرين.. حتى لو كان الوالدان من أصحاب التفوق الفكري، ولعلنا لن نغفل من ذاكرتنا ومن خلال مجتمعنا أسماء لبعض الناجحين اقتصادياً ومجتمعياً ودعوياً، لكن أبناءهم عرفوا الخيبة والانحطاط من فرط أنهم لم يحظوا بالرعاية العائلية التي احتاجوها.
المهم في القول ما اتفق عليه كل من على هذه الأرض عبر الحكمة الشهيرة: "إذا أردتَ أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردتَ أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردتَ أن تزرع لمئة سنة فازرع إنساناً"، لذا فالاستثمار في الأبناء لم يعد خياراً ولا رفاهية، بل أصبح مطلباً هو الأهم؟!