: آخر تحديث

جريمة الإخوان المسلمين في حقّ الأردن...

4
4
3

خيرالله خيرالله

لم يتغيّر شيء في عداء «حماس»، وهو في جانب منه عداء «الجمهوريّة الإسلاميّة» الإيرانيّة، للأردن. تغيّر في المشهد الأردني ذلك التزاوج بين «حماس» وجماعة الإخوان المسلمين في المملكة، بما يشير إلى تفاهم قديم بينهما تخلّى الإخوان بموجبه عن ولائهم للمملكة الأردنية الهاشمية التي قدمت لهم الكثير في الماضيين البعيد والقريب.

فرض ذلك أخيراً على السلطات الأردنية حل تنظيم جماعة الإخوان في ضوء اكتشاف أبعاد المؤامرة التي تستهدف المملكة الهاشمية، وهي مؤامرة شملت صنع صواريخ وتهريب أسلحة وتدريبات عسكرية في لبنان. كان ذلك في مرحلة سيطرة «حزب الله»، مكنت هذه السيطرة «حماس» من إيجاد نفوذ لها في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبالتالي تدريب من تريد تدريبه في هذه المخيمات، بما في ذلك عناصر تضمر الشرّ للأردن.

من ثوابت المنطقة، الالتقاء الدائم بين «حماس» واليمين الإسرائيلي في ضرب المشروع الوطني الفلسطيني الذي لعب الأردن دوراً مهمّا في بلورته عبر حدثين مفصليين مهمين.

كان الحدث الأوّل احداث أيلول – سبتمبر من العام 1970. وقتذاك حال الأردن، بقيادة الملك حسين، دون قيام«الوطن البديل»بقضائه على الوجود الفلسطيني المسلّح في البلد، وهو وجود فوضوي تحكمت به المزايدات وقصر النظر والحرب الباردة. كان الانقلاب على العرش الهاشمي يستهدف جعل الأردن تحت سلطة المنظمات الفلسطينية. لم تكن المنظمات الفلسطينية التي نادت بسقوط العرش الأردني سوى بيدق إسرائيلي لا يدرك معنى وجود الأردن كخط دفاع أوّل عن بقاء القضية الفلسطينية حيّة ترزق في ضوء وجود شعب له مكانه على الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

أمّا الحدث الثاني، فقد تمثّل في قرار فك الارتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية الذي مهّد بعد صدوره صيف العام 1988، في إعلان المشروع الوطني الفلسطيني المرتكز على خيار الدولتين والاعتراف بالقرار 242 و«نبذ الإرهاب». أعلن عن المشروع الوطني الفلسطيني وعن قيام«الدولة الفلسطينية»، التي لا تزال مجرد وعد، في اثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في نوفمبر 1988، أي بعد شهور قليلة من قرار فك الارتباط بين الأردن والضفّة الغربيّة.

يمكن أيضاً الكلام عن حدث ثالث في غاية الأهمّية، هو حدث توقيع اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي (اتفاق وادي عربة) في أكتوبر 1994 بعد مضي سنة وشهر على توقيع ياسر عرفات، اتفاق أوسلو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، في حديقة البيت الأبيض. رسم اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي الحدود النهائية للمملكة وساهم إلى حد كبير في القضاء على فكرة«الوطن البديل»التي لا تزال تراود بعض زعماء اليمين الإسرائيلي.

قطع اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي الطريق على المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تهجير فلسطينيين من الضفّة الغربيّة إلى الأردن. هذا ما رفضت«حماس»فهمه، كذلك«الجمهوريّة الإسلاميّة»الإيرانية التي سعت دائماً إلى تهريب سلاح إلى الأردن مستغلة وجود النظام العلوي في سوريا. سمح النظام السوري، الذي سقط في الثامن ديسمبر الماضي بوجود عسكري إيراني في الجنوب السوري قرب الحدود مع الأردن. زاد النشاط الإيراني الذي يستهدف تهريب أسلحة ومتفجرات إلى الأردن، بحجة أن المطلوب تمكين«حماس»من فتح جبهة أخرى مع إسرائيل.

من الواضح أنّ«حماس»التي لم تستوعب بعد ابعاد سقوط النظام السوري تسعى إلى نقل تجربة غزّة إلى المملكة. لم تفهم«حماس»أن الأردن شيء وغزة شيء آخر وأن الأردن بلد مؤسسات راسخة ومتينة أولاً. ينمّ ذلك عن جهل كبير بالأردن وقدرته على الصمود في وجه العواصف، بما في ذلك كلّ المحاولات التي بذلتها إيران طوال أربعين عاماً من أجل إيجاد موطئ قدم لها في المملكة. المستغرب قبول الإخوان المسلمين لعب الدور المطلوب منهم في سياق ما تضمره«حماس»وإيران وما كان يضمره النظام السوري الساقط للأردن. كلّ ما في الأمر أنّ الإخوان في الأردن خانوا الأمانة على الرغم من كل ما يصدر عنهم من مواقف نافية لذلك. أثبت جهاز المخابرات الأردني أنّه قادر على الإتيان بأدلة دامغة على تورط الإخوان في التآمر على البلد الذي أواهم وحماهم ووفر لهم فرصة ممارسة نشاط سياسي ذي طابع سلمي بعيداً عن توجيهات خارجية.

قد لا تكون«حماس»تعرف ما هو الأردن، كذلك إيران ونظام آل الأسد، لكن وقوع الإخوان المسلمين في المملكة في فخّ التآمر على البلد جريمة لا تغتفر. إنّها بالفعل جريمة لا تغتفر، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار التجربة التاريخية لإخوان الأردن مع نظام سمح لهم بهامش كبير من الحرّية في وقت كانوا فيه مطاردين في معظم انحاء المنطقة!

مع انكشاف الدور السلبي للإخوان المسلمين في الأردن، دخل البلد مرحلة جديدة تفرض إعادة الاعتبار للحياة السياسية والبرلمانية بعيداً عن الأجندات الخارجية. يفرض ذلك عودة إلى شعار«الأردن أولاً»الذي اطلق في بداية عهد عبدالله الثاني، قبل ربع قرن من الزمن. يعني هذا الشعار قبل أي شيء آخر تقديم مصلحة الأردن على كلّ مصلحة أخرى من جهة وأن تضع كلّ القوى السياسية نفسها في خدمة المملكة وليس في خدمة«حماس»وإيران من جهة أخرى.

لعلّ السؤال الذي سيطرح نفسه في المستقبل المنظور ما التحولات التي ستطرأ على المشهد السياسي الأردني في ضوء حل جماعة الإخوان... وفي ضوء الموقف الأردني الواضح من الكارثة التي أخذت إليها«حماس» فطاع غزّة وأهله؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد