: آخر تحديث

سلام باكو - يريفان حطب قوقازي لتدفئة كييف في ألاسكا

3
3
2

الرئيس الأميركي دونالد ترامب جلس في مقعد السائق الروسي لحافلة السلام بين أرمينيا وأذربيجان، في الثامن من آب (أغسطس) 2025. الحافلة بدأت بالسير أصلاً بعد انتصار أذربيجان على أرمينيا في  حرب اليومين من أيلول (سبتمبر) 2022.

وصولها إلى الوجهة النهائية تعطل بسبب مطلب باكو بأن تقوم يريفان بتعديل مضمون دستورها فيما يخص جمهورية نخجوان. الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أكَّد على هذا الطلب في القمة التي جمعته مع ترامب ورئيس الحكومة الأرمني.

رئيس الوزراء نيكول باشينيان يحاول كسب الوقت بالساعة الأميركية بعد نزعه الروسية، للوصول بسلامٍ سياسي إلى موعد الانتخابات البرلمانية في 2026 كمرحلة أولى، لترسيخ قرار المحكمة الدستورية لبلاده فيما يخص تثبيت السيادة الوطنية لأذربيجان على جمهورية ناخيتشيفان أو نخجوان.

هو لا يريد الوصول إلى عُتبة الاستفتاء عام 2027، لتغيير المادة الدستورية التي تعتبر أراضي هذه الجمهورية جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الأرمنية. حظوظ نجاته السياسية لن تتحمل، خاصَّة أن الكنيسة الرسولية الأرمنية التي تلعب دوراً كبيراً في سياسة البلاد تعتبره أرمنياً غير كامل، تتهمه تحديداً بأنَّه "مختون".

روسيا تعتبر كذلك حليفاً لا يجوز التفريط فيه من قبل قسمٍ كبير من الطيف السياسي الأرمني. على الأقل ذلك المرضي عنه من قبل الكنيسة الأرمنية. لذا فإنَّ دخول ترامب في جغرافيا القوقاز لن يساهم كثيراً في جعله غير مختون، أو يُعيد له نضارته الأولى عندما كان معارضاً بذقن ويرتدي البنطال الكاكي، لتجسيد صورة القس المقاتل في القرن الحادي والعشرين.

يجوز لنا بعد ذلك أن نسأل: ما هدف ترامب من الطبطبة على أكتاف باشينيان السياسية؟

حوار الغواصات
تزامن تكشير واشنطن لموسكو بالغواصات النووية، مع المناورات والتدريبات المشتركة بين بكين والأخيرة في غرب المحيط الهادي في الأول من آب (أغسطس). لم تكُن الحرب الكلامية بين الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف والرئيس ترامب سوى ضجيج لمنع العالم عن التقاط عُمق "العلاقة العسكرية" بين روسيا والصين.

بكين وخوفاً من تقليل قيمة رسالة الغواصات في مرسى التحليل الأميركي، أكَّدت على أنَّ دخول غواصات حقيقية في المناورات مع موسكو أمر لا يحتمل سوء الفهم، على اعتبار أنَّ كُل غواصة عموماً تملك بصمة خاصة بها، وتصنَّف المعلومات الخاصَّة بها تحت بند السريَّة.

تحت ظلال التغريدات بين ترامب وميدفيديف، أعلن البيت الأبيض أنَّ المبعوث الرئاسي الخاص بالشرق الأوسط سيزور موسكو. وصل ستيف ويتكوف إلى روسيا في نفس اليوم الذي انتهت فيه المناورات الصينية الروسية، الخامس من آب (أغسطس). ويتكوف النسخة عن الدبلوماسي الأميركي الشهير هنري كيسنجر "بدون تسريبات" بحسب تعبير الرئيس ترامب، نجح في ترتيب لقاء قمة بين واشنطن وموسكو.

بعد يوم واحد من زيارة ويتكوف، أعلن ترامب أنه يريد أن يخرج من الحرب في أوكرانيا لأنها "حرب بايدن وليست حربي". كان الرئيس الأميركي قد أعطى مهلة من عشرين يوماً كحدٍ أقصى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإنهاء الحرب في أوكرانيا. هذه المهلة ستنتهي بالضبط في يوم اللقاء بين بوتين وترامب في ألاسكا؛ أي في الخامس عشر من آب (أغسطس).

ممرات و مضائق
ممر زنغزور الذي ستستأجرهُ الولايات المتحدة لمدة 99 عاماً بحسب الاتفاق بين واشنطن، باكو، ويريفان، أثار مخاوفاً جيوسياسية وجيواقتصادية لدى دولٍ عديدة كإيران وجورجيا. أذربيجان حليفة تركيا الوثيقة، أوضحت وبشكلٍ صريح بأنها غير مستعدة لقبول "مشغل خارجي أو استئجار أراضي في أذربيجان".

قبضة واشنطن على زنغزور تعني فقدان أنقرة للكثير من قيمة الممر الأوسط الذي سيضمن تحويلها إلى عُقدة للنقل اللوجستي من الشرق الأقصى إلى أواسط آسيا وصولاً إلى أوروبا. رئيس مجلس الأمن الأرمني أرمن غريغوريان، وجد أن قيمة ممر زنغزور أو "ترامب" لن تتحقق إلَّا بـ"رفع الحظر عن الطرق في المنطقة". وعلى "أساس السيادة، الولاية القضائية للدولة المعنية، وحدة الأراضي وعلى مبدأ المعاملة بالمثل".

حكومة باشينيان تصنعُ من هذه الاشتراطات بوليصة تأمين، قابلة للبيع بالروبل الروسي أو بالدولار الأمريكي. يريفان وباكو قدَّما على الأرجح خدمة لواشنطن لأهدافهما الخاصَّة. الأخيرة تأمل بأنها ستكون قادرة على انتزاع بعض التنازلات لصالح كييف وتطمينات لبروكسل.

اختيار ألاسكا التي تطلُ على غرب المحيط الهادي قد يكون صُدفة جغرافية، بما أن المناورات البحرية بين بكين وموسكو كانت أيضاً في غرب الهادي. أمّا اختيار الخامس عشر من آب (أغسطس) فلا يعدو سوى كونه ضباباً رمزياً غارقاً في التاريخ عند عام 1096 الذي انطلقت فيه الحملة الصليبية بقيادة بطرس الناسك.

الكرملين وفي إطار التمهيد الرمزي للِّقاء المزمع بين بوتين وترامب، أشار إلى أن مضيق بيرينغ هو الفاصل الوحيد بين الجغرافيا الروسية والأميركية. هذا التمهيد الرمزي عمل أيضاً كطوربيد معنوي ضد قارب السياسات الأوروبية. علماً إن جي دي. فانس نائب الرئيس الأميركي كان موجوداً في بريطانيا، لضمان احتواء الضجيج الإعلامي لبروكسل نتيجة استبعادها الظاهري.

طريقة حسم القضية الأوكرانية من قبل الروس، بات شبيهاً بسونار ستلجأ إليه كل الدول في العالم حتى القريبة منها، لمعرفة ما تبقى من وزنٍ حقيقي لموسكو. الكاتبة الروسية لوبوف ستيبوشوفا، عبَّرت عن ذلك بطريقةٍ رائعة في عام 2023: "دول أخرى تنتظر أن تأخذ بكل سرور طريق أوكرانيا، وفي نفس الوقت، ما زالت تحافظ على تحالفها مع  روسيا حتى الآن – كازاخستان وقيرغيزستان وحتى بيلاروسيا، بغضِّ النظر عن مدى التناقض الذي قد يبدو عليه الأمر".

جنوب القوقاز يبدو هو الآخر منتظراً، بعد أن لوت يريفان عنقها باتجاه الغرب. أمّا موسكو فستكون مضطرة بحكم توازنات القوَّة إلى ختان المستقبل السياسي لرئيس الحكومة الأرمنية نيكول باشينيان، إن لم تنجح أوكرانياً في قمة ألاسكا، وتوجيه رسالة قوَّة ولو رمزية إلى أنقرة كما حصل عند اللقاء بين الرئيسين بوتين وأردوغان عام 2020، تحت تمثال الإمبراطورة كاترين الثانية التي ألحقت العديد من الهزائم بالإمبراطورية العثمانية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.