: آخر تحديث

غزة ولبنان.. المقاومة بين الواقع والعبء

1
1
1

في الشرق الأوسط، لطالما ارتبطت "المقاومة" بآمال التحرير واستعادة الحقوق، لكن الأحداث الأخيرة في كل من غزة ولبنان تضع هذا المفهوم أمام اختبار قاس، وتثير تساؤلات عميقة حول جدواه وتكاليفه الحقيقية. ففي ظل الحروب المستمرة، بدأت الشعوب في كلا المنطقتين تتساءل عن الثمن الباهظ الذي تدفعه، وعما إذا كانت "المقاومة" قد تحولت من أداة للدفاع إلى عبء يثقل كاهلها.

على الحدود اللبنانية الجنوبية، تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، مخلفة وراءها دماراً هائلاً وأزمة إنسانية متفاقمة. أكثر من 100 ألف لبناني نزحوا من قراهم، والبنية التحتية تعرضت للتدمير بشكل منهجي. وفي الوقت الذي واصل فيه حزب الله عملياته العسكرية، بدأت أصوات الداخل اللبناني تتعالى، معبرة عن قلقها من أن البلاد تُجرّ إلى حرب لا ترغب فيها ولا تملك القدرة على تحمل تبعاتها.

هذه الأصوات لم تكن تقتصر على معارضي الحزب، بل شملت أطرافاً كانت في السابق تدعمه، والذين باتوا يدركون أن مصير لبنان أصبح مرتبطاً بشكل وثيق بأجندات إقليمية تتجاوز المصالح الوطنية. وقد كشفت بعض التقارير أن قرار الحرب والسلم في لبنان لم يعد حكراً على اللبنانيين، مما دفع الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة لبحث سبل نزع سلاح حزب الله، في خطوة تعكس حجم الضغط الشعبي والسياسي المتزايد.

والوضع في غزة ليس ببعيد عن هذا السيناريو، بالرغم من اختلاف التفاصيل. فبعد شهور من الحرب، أصبح القطاع عبارة عن مدينة مدمرة، يواجه سكانها أزمة إنسانية غير مسبوقة. آلاف الشهداء، ومئات الآلاف من الجوعى، وانهيار شبه كامل للمنظومة الصحية والإغاثية. كل ذلك في ظل مفاوضات متعثرة لوقف إطلاق النار، حيث تتهم بعض الأطراف حركة حماس برفض بعض المقترحات التي يمكن أن تنهي الحرب، في محاولة للحصول على ضمانات تخدم مصالحها السياسية.

المشكلة تكمن في أن هذا الصراع المستمر حول الأجندات السياسية والضمانات المستقبلية يجري على حساب المدنيين الأبرياء. فبينما يتم الحديث عن "المقاومة" و"الصمود"، يرزح سكان غزة تحت وطأة الجوع والدمار. وهذا الواقع المرير يطرح أسئلة جوهرية حول شرعية أي “مقاومة” لا تستطيع حماية شعبها، وتدفع به إلى هاوية المجهول.

هنا يتضح الفرق الجوهري. فالمقاومة، في جوهرها، يجب أن تكون أداة لتحقيق هدف نبيل، وهو تحرير الأرض وحماية الشعب. ولكن عندما تتحول هذه المقاومة إلى غاية في حد ذاتها، وتصبح وسيلة لخدمة مصالح سياسية أو إقليمية، فإنها تفقد مشروعيتها وتتحول إلى عبء على الشعب.

التجربة اللبنانية تقدم درساً واضحاً في هذا السياق. فبعد سنوات من الصمت، بدأ اللبنانيون يرفضون أن تكون قراهم ساحة حرب، وأدركوا أن عليهم أن يطالبوا بتقرير مصيرهم بأنفسهم. هذه الصحوة الشعبية في لبنان، وإن كانت متأخرة، هي خطوة ضرورية نحو استعادة السيادة والقرار الوطني.

وهذا ما يجب أن يحدث أيضاً في غزة. فصوت الشعب هو الضمانة الوحيدة لعدم تحويل القطاع إلى مجرد ورقة في لعبة إقليمية أكبر. لا يمكن أن تستمر "المقاومة" في تبرير كل هذا الدمار والخراب. على سكان غزة أن يرفعوا صوتهم عالياً، وأن يطالبوا بالحق في الحياة والأمان، بعيداً عن الشعارات التي أثبت الواقع أنها لم تعد كافية لحمايتهم.

في النهاية، المسألة ليست في شرعية المقاومة من عدمها، بل في حدودها ونتائجها. فالمقاومة التي تؤدي إلى تدمير شعبها ليست مقاومة، بل هي جريمة ترتكب باسم المقاومة. والدرس المستفاد من لبنان اليوم هو أن الشعب هو صاحب القرار الأول والأخير، وأن صوته يجب أن يكون أعلى من صوت البنادق. فهل يستوعب سكان غزة هذا الدرس قبل فوات الأوان؟

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.