سهم بن ضاوي الدعجاني
«ما تشهده غزة ليس مجرّد جوع، بل سياسة تجويع مدروسة». هذا النص المروع إنسانياً، لم يكتبه «فلسطيني»، بل كتبه رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية، قبل أيام، ولا شك أن هذه «الشهادة» للتأريخ علامة على فشل العالم الحر الذي يسمع ويقرأ عن هذا الوضع الكارثي في «غزة» التي كانت وما زالت تحت «القصف» ولكن هذه المرة «قصف مروع» إنه «التجويع» تحت نظر وسمع العالم، بل إن أحدث تقارير الأمم المتحدة أشارت إلى أن الوضع الغذائي في «غزة» الجائعة، بلغ المرحلة الخامسة (كارثية) وفق تصنيف (IPC) العالمي، لانعدام الأمن الغذائي، وهي أعلى درجات التصنيف، التي تُشير إلى خطر المجاعة، فنحو 470 ألف شخص - أي ما يعادل ربع سكان القطاع - يعانون من جوع كارثي، بينما يعيش باقي السكان بين مرحلتي الأزمة والطوارئ الغذائية.
إن استهداف «إسرائيل» للمُجَوَّعين في قطاع غزة منذ بداية الحصار، هو «مذبحة» بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى مؤلم وقاسٍ وبمعنى أكثر شفافية إن ما يحصل هو لـ»محو حياة الفلسطينيين». من خارطة الوجود البشري، لأن العدو الصهيوني أبدع بشكل غير مسبوق عالميا باستخدام سلاح التجويع بل التهجير القسري بل أقسى من ذلك بمراحل، إنه حكم بالإعدام بحق أناس أبرياء معظمهم أطفال ذنبهم الوحيد أنهم يسعون للبقاء على قيد الحياة فحسب في أرضهم ووطنهم المحتل، وهنا تذكرت بكل ألم أبرز الأمثلة التاريخية والمعاصرة لاستخدام التجويع كسلاح في الحرب ووجدت بكل حسرة أن ما حصل ويحصل الآن في قطاع غزة (منذ 2007)، خاصة وأن إسرائيل تفرض حصاراً شاملاً على القطاع رغم المحاولات البائسة من العالم والمنظمات العالمية باستثناء معبر رفح قبل الحرب الحالية الذي يفتح ويغلق حسب الأوضاع الأمنية، وما زال العدو الصهيوني، يتفنن باستخدام «التجويع» كوسيلة عقاب جماعي، خاصة بعد أكتوبر تشرين الأول 2023.
السؤال الحلم
إلى متى يبقى «أطفال غزة» تحت قصف هذا «السلاح الفتاك»، أقصد الجيل الجديد من هذا السلاح «التجويع الإسرائيلي»؟، خاصة وأن «سياسة التجويع في غزة ليست فقط حرماناً من الطعام، بل هي خطة ممنهجة ومدروسة لسحق الإرادة للإنسان الفلسطيني، وكسر النفوس الصامدة، فالوحشية الإسرائيلية ما زالت تمنع عنهم الغذاء والدواء والماء، وتحاصر أحلام الأطفال قبل أجسادهم، لقد تحول المشهد في «غزة» إلى خارطة لا ترى فيها ولا تسمع إلا صنوف الموت: قصف وتدمير وتنكيل وحصار وتجويع، إنها بشهادة العالم مجاعة منظمة ممنهجة يقوم بها الكيان الإسرائيلي ضد سكان غزة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في ظل صمت دولي مريب.
وأخيراً
إن لم يكن «تجويع غزة» وحصار أهلها، أداة للتهجير القسري، تحت أنظار العالم وصمته القبيح فماذا عساه يكون؟ إن «تجويع غزة» جعل الحياة فيها جحيما لا يطاق، بل هو السبيل الوحيد لدى العدو الصهيوني لتفريغ غزة من أهلها، بطريقة وحشية همجية، فما زالت أرواح غزة تتساقط تحت مقصلة التجويع.