يعترف المؤرخ اليوناني هيرودوت، الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد بأن «اليونانيين تعلموا البناء بالحجر من المصريين»، وتبعه أفلاطون بقوله: «مصر هي مصدر الحكمة، ولقد سبقت الكتابة المصرية الأبجدية اليونانية بقرون»، ويمتدح المؤرخ الروماني بليني الأكبر مسلات مصر ويصفها بأنها «شواهد على الخلود». لقد أكد اليونانيون ومن بعدهم الرومان أن مصر هي أصل كل الفنون والعلوم على الأرض. سبقت فنون النقش والرسم في مصر عصر معرفة الكتابة، وقبل 6 آلاف سنة قبل الميلاد. وتطورت بشكل مذهل على أسطح فخار عصر ما قبل الأسرات، وعلى صفحات الأحجار اللينة فيما عرف بفن الصلايات، وأشهرها جميعاً صلاية التوحيد، المعروفة باسم صلاية الملك نعرمر أو مينا، وترمز إلى جهود توحيد مصر شمالها وجنوبها وتكوين الدولة في نحو 3200 قبل الميلاد، نفس التاريخ الذي يؤرخ لمعرفة الكتابة.
أبدعت مصر في فنون العمارة وبنت أول بناء حجري عملاق على كوكب الأرض، وهو هرم الملك زوسر المدرج بسقارة، وما يحيط به من منشآت جنائزية معجزة 2660 قبل الميلاد، لدرجة أن الفراعنة أنفسهم في عصر الدولة الحديثة 1550 قبل الميلاد كانوا يقومون بزيارة الهرم المدرج للترويح عن أنفسهم، والاستمتاع بفنون أجدادهم، وكتابة انطباعاتهم عن الزيارة على الأسوار وجدران المعابد المحيطة بالهرم، ويكفي أن نقول إن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بالمعجزة الوحيدة الباقية من العالم القديم وهي الهرم الأكبر - هرم الملك خوفو.
أما عن فنون النحت والنقش، فلا يمكن بحال من الأحوال حصر الكتب والمؤلفات التي كتبت عن فنون النحت والرسم في مصر القديمة وبكل لغات العالم، وهناك ملايين القطع الفنية من مصر القديمة، من لوحات وتماثيل تزين متاحف العالم كله وتثير الإعجاب. حتى أحرف الكتابة المصرية القديمة حولها الفنان الفرعوني إلى لوحات فنية بديعة على واجهات المعابد والمقابر وصفحات البردي. استطاع الفنان المصري القديم تطويع أكثر الأحجار صلادة مثل الديوريت والغرانيت لإخراج أعمال فنية لا تزال إلى يومنا هذا تصنف في كتب الفن بكلمة «معجزات»، أما فن صناعة الحلي فيكفي نظرة واحدة إلى كنز توت عنخ أمون لمعرفة ما وصل إليه الصائغ المصري القديم من مهارة في التصميم والتنفيذ تفوق مهارة أعظم مصممي الحلي في عصرنا الحديث، وبشهادة أصحاب أكبر دور خطوط الموضة وصناعة المجوهرات.
أما عن فنون الموسيقى فآلات العزف والموسيقى بمختلف أنواعها مسجلة على جدران المقابر والمعابد. ولا تزال آلة الهارب المصرية القديمة تحتفظ بمكانتها في أعظم فرق الموسيقى العالمية، غير الناي والمزمار والبوق والأرغول والدفوف والصلاصل. وقد وصلت إلينا الأشعار الغنائية بمختلف أنواعها وتفرد الأديب المصري القديم في كتابة القصة والشعر وأدب الحكمة والرحلات وغيرها من فنون الأدب. التي حفظتها لنا آلاف البرديات. لم يكن الفن مجرد أداة إشباع نفسي وروحي، بل كان الفن مرآة لحضارة شعب عظيم أدرك ما ميزه به الإله الخالق من قدرة على التفكير والإبداع، وما منحه من مقومات طبيعية في أرض مصر، فحولها إلى أعمال فنية تحفظ تاريخه وهويته وتفرده بين الأمم القديمة. وأخيراً فإن مصر هي البلد الوحيد الذي يوجد عِلمٌ قائم بذاته يسمى باسمها «عِلم المصريات»، والبلد الوحيد الذي يوجد باسمه أقدم حالة هوس بفنونه منذ القدم وإلى الآن حول العالم تعرف بالـ«إيجيبتومانيا»، بمعنى الهوس أو الولع بمصر.