: آخر تحديث

أنت يا «القبس» لا تشبهين «القبس»!

3
3
3

ركزت افتتاحية القبس (28–11–2025) على مثالب التعديلات المقترحة على «قانون الأحوال الشخصية»، بعد أكثر من أربعة عقود من صدوره، مع اعتبار مجمل التعديلات خطوة تُسجَّل لوزير العدل والوزارة، كونها مثلت جهداً تشريعياً هائلاً بمعايير العمل القانوني، وتضمن إيجابيات مثل تيسير عقد الزواج عن بُعد، واعتماد الحمض النووي في الأمور الشرعية وغيرها. وقالت القبس: إن القوانين لا تُقاس بحسن النوايا، بل بآثارها حين تمُس الإنسان وكرامته واستقرار الأسرة. وكيف أن مشروع القانون المطروح يتجه إلى ضبط الأسرة بالقوة التشريعية أكثر مما يتجه إلى حماية توازنها الاجتماعي. فعندما تتحول أعراف أسرية كانت تُدار بالمودة والرحمة والاحترام، إلى «النص على ضرورة قيام الزوجة بخدمة الزوج»، أو عدم خروجها من البيت إلا بإذنه، إلى التزامات قضائية صلبة قابلة للاختلاف والتقاضي، نكون أمام انتقال الزواج من علاقة شراكة إنسانية إلى علاقة رقابة قانونية، في مجتمع وصلت فيه المرأة الكويتية إلى أعلى مراتب القيادة في العمل العام، مما يعد رِدّة اجتماعية لا إصلاحاً أسرياً.. إلى آخر الافتتاحية، التي كان عنوانها: «تعديلات الأحوال الشخصية.. لا تشبه الكويت»، وهو العنوان الذي دفع البعض للتعليق عليه، بما يشبه السخرية، ومنهم زميلة وقريبة، غردت قائلة: وأنت يا قبس لا تشبهين القبس!

* * *

لم أكن يوماً ممثلاً لوجهة نظر القبس، فهذه ليست من مهامي، ولم تكن لـ القبس يوماً سلطة على ما أكتب، بخلاف حقها في منع نشر ما تراه «غير مناسب»، حتى لو كان قبلها بيوم.. مناسباً! فالظروف هي التي تحدد «النشر أو منعه»، فهي أعلم بالتبعات، وهي الخاسر الأكبر، كصحيفة وفكرة ومشروع تجاري، ومصدر رزق وحيد لمئات العاملين بها.

القبس، كأي صحيفة أخرى، تدار من قبل بشر، وبالتالي هي كائن، والكائن يتغير ويتبدل وفق الظروف، فلا نتوقع منها أن تخالف الوضع العام، وتسير ضد التيار، (والتغيرات والتبدلات، تحتمها الظروف) وهذا ما يحصل مع أي مطبوعة «سياسية»، بلا استثناء، فالتغيير أمر حتمي.

* * *

قفاز التحدي، الفارغ المضمون، الذي رماه البعض لـ القبس، تلقيت ما يماثله كثيراً، حيث يطلب البعض مني رفع سقف التحدي والكتابة عن هذه القضية أو تلك، والتحلي بالشجاعة، لكن عندما تطلب منهم المشاركة في تحمل التبعات، يتراجعون من فورهم، ويرفضون حتى فكرة وضع أسمائهم على المقال، المقترح من قِبلهم، ويأتي الجواب، كالمعتاد: اذهب أنت وربك فقاتلاهم، أما نحن فقاعدون ها هنا! وبالتالي ما أطلبه من زميلتنا وقريبتنا، وسبق أن طلبته من غيرها، أن تضع نفسها مكان الجهة الناشرة، وعدم الاكتفاء بتوجيه اللوم لها، فالمسألة ليست بتلك الخفة، والتبعات ليست بتلك البساطة. فجميل أن نقف مدافعين عن قضية البدون، لكن الموقف منهم، ووتيرة الدفاع لا تبقى كما هي طوال الوقت، بل تتغير وتخبو وتتعالى.. وفق الظروف، والقبس، وهي وأنا، وغيرنا، لسنا باستثناء من هذا الأمر.

* * *

نعود ونؤكد أن مسؤولية الكاتب ليست كمسؤولية الناشر، والقبس كانت دوماً، طوال تاريخها، صاحبة مواقف صلبة قلّ نظيرها، وما كانت لتكون كذلك لولا تحليها بالمصداقية والشجاعة، ومعرفة اتجاه الرياح، والتماهي معها، متى تطلب الأمر ذلك. ولا تكفي «كتابة» عمود لتوضيح دورها الوطني، وما على غير العالم به إلا العودة لمقابلة «عبدالله البندر» مع رئيس تحرير القبس الأسبق، محمد الصقر، ولمقابلة رئيس التحرير الحالي، وليد النصف، في برنامج «السطر الأوسط» لمعرفة حقيقة الدور الذي قامت به القبس، طوال تاريخها، الذي سيبلغ 54 عاماً مشرفاً، في فبراير المقبل!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد