: آخر تحديث

خطيئة ليونيد كوتشما!

4
4
4

حسين الراوي

منذ بداية نشأة الدول وجيوشها العسكرية اهتمت معظم دول العالم في بناء ترسانتها العسكرية، والوصول علمياً لطائرات وغواصات وسفن حربية وصواريخ ودبابات وآليات متطورة جداً، تستطيع من خلالها الدفاع عن نفسها في غابة العالم التي يأكل القوي فيها الضعيف دون الالتفات للمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية.

في 5 ديسمبر العام 1994، وقّع الرئيس الأوكراني آنذاك ليونيد كوتشما، توقيعاً يُعتبر هو أسوأ توقيع عالمي في العصر الحديث على الإطلاق!

وهذا لأن الرئيس كوتشما تخلى عن سلاحه وترسانته النووية وأعطاها لروسيا، مقابل أن تتعهد وتضمن كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بالوقوف مع استقلال وسيادة أوكرانيا على أراضيها، وحماية أوكرانيا من أي عدوان خارجي، وعدم شن أي عدوان من تلك الدول الثلاث على أوكرانيا، وعدم استخدام أي سلاح نووي ضد أوكرانيا إلا إن كان للدفاع عن النفس، وتقديم بعض التسهيلات الاقتصادية لدعم أوكرانيا. ولقد سُميّت هذه الاتفاقية باتفاقية بودابست، ولقد وقّع عليها إلى جانب الرئيس الأوكراني، الرئيس الروسي بوريس يلتسن، والأميركي بيل كلينتون، والبريطاني جون ميجر.

لكن تلك الاتفاقية لم تكن في حقيقتها إلّا حبراً على ورق، حيث أقدمت روسيا بعد 20 سنة على احتلال جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، أمام مرأى ومسمع من أميركا وبريطانيا وجميع دول أوروبا والعالم أجمع! ثم في فبراير 2022 احتلال العديد من الأراضي الأوكرانية.

بلا شك لقد أخطأ الرئيس الثاني لأوكرانيا ليونيد كوتشما الذي حكم أوكرانيا من العام 1994 إلى 23 ينايرعام 2005، بأنه أعطى سلاحه وترسانته النووية للروس! فليس من الحكمة والعقل أن تُصبح أوكرانيا بلا سلاح نووي هكذا فجأة بعد أن كانت ثالث أقوى دولة نووية بالعالم بعد أميركا وروسيا! كيف رضي ليونيد كوتشما أن تكون عورة بلاده مكشوفة بلا سلاح يسترها ويحميها!

وأيضاً وبلا شك أن ليونيد كوتشما أخطأ كثيراً بأنه وثق وصدق وآمن بتلك الضمانات حول أمن واستقلال وسيادة أوكرانيا، خاصة وأن العقيدة العسكرية الروسية مُعلنة وليست بسرية، ومن أهم أهدافها توسع أراضيها، وضرورة إعادة حُكم العِرق السولافي، وهذا ما كتبه وذكره في العديد من كتبه ومقالاته ولقاءاته الفيلسوف السياسي أولكسندر دوغين، الأب الروحي للرئيس بوتين، الذي قال في أحد لقاءاته: «أنا أفكر وبوتين يُنفذ».

ولقد ذكرتُ في مقال سابق كتبته في مايو 2022، كان بعنوان (بوتين والأر قام القياسية)، أن «دوغين في رأيه المعلن في أكثر من مصدر يرى أن الحرب ضد أوكرانيا لابد منها، لأنها حرب استباقية ضد التوسع الأميركي والغربي باتجاه روسيا، وأن أوكرانيا هي بالأصل أرض تعود للإمبراطورية الروسية، وأنه لا يُسمي الذي يقوم به الروس الآن في أوكرانيا حرباً ضد الدولة الأوكرانية، بل هي حرب ضد النازيين الجد»!

«وفي كتاب (أسس الجيوبوليتيكا) يذكر دوغين أن على روسيا أن تتمدّد وتعمل على مواجهة الهيمنة والزعامة الأميركية، وأن التمدّد الجغرافي العسكري لروسيا شيء لابد منه، إن أرادت روسيا استمرار قوتها وإرجاع عظمة إمبراطوريتها القديمة»، ودوغين أعلن بوضوح في كتابه من حبه ودعمه وحماسه في أن تكون لروسيا أطماع توسعية!

أما ما يتعلق بأميركا وبريطانيا فإنهما بلا شك لم يفيان مع أوكرانيا حق الوفاء ولم يكونا على قدر الثقة التي منحها لهما الرئيس الأوكراني السابق ليونيد كوتشما، هذا لأنهما لم يقدما لأوكرانيا دعماً حقيقياً حاسماً في الدفاع عنها كما تعهدتا في اتفاقية بودابست، بل اكتفتا هما وباقي دول حلف الناتو بدعم أوكراني بسلاح دفاعي فقط لم يساعد الجيش الأوكراني في استعادة أي شيء، بل واكتفت أميركا وبريطانيا تتفرجان بعينان مُحدقتين للصواريخ الروسية المتنوعة، دون أن تسمح وتُقدم أميركا وبريطانيا وحتى دول حلف الناتو أي شيء من الصواريخ المكافئة للروسية.

‏في نهاية المقال، ولم أر واسمع في حياتي عن ذُل عاصرته وقع لأي دول في العالم مثل ذلك الذل والقهر الذي نال من أوكرانيا وشعبها بسبب خطيئة ليونيد كوتشما يوم أن باع كرامة السلاح الأوكراني لمَنْ قاموا بخداعه!

‏alrawie@


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد