لو كان الجيش الأميركي فريقًا رياضيًا لكان من فرق الدرجة العاشرة. هذا هو التوصيف الأبلغ لأقوى جيوش العالم الذي ما شنّ حربًا على أحد إلا وصار في عداد الخاسرين.
إيلاف: تعتقد غالبية الأميركيين أن جيش بلدها هو الأقوى في العالم. إذا كان هذا صحيحًا، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا خسرت الولايات المتحدة كل حروبها منذ الحرب العالمية الثانية؟، ولماذا فشلت في كل مرة تستخدم القوة بلا سبب عادل؟، في الحقيقة، لو كان الجيش الأميركي فريقًا رياضيًا، لكان من فرق الدرجة العاشرة.
هذا ما يؤكده التاريخ. فالرئيس جون كينيدي كان المسؤول عن فشل غزو خليج الخنازير في كوبا في عام 1961، وهو الذي بدأ تصعيد الحرب في فيتنام.
لهذه الأسباب تخسر أميركا حروبها |
وفي حين أن كثيرين يعتقدون أن أزمة الصواريخ الكوبية كانت انتصارًا كبيرًا للولايات المتحدة، فإن إدارة كينيدي أشعلت الأزمة بتسلح متعاظم أجبر الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشيف على التخلي عن خفض الأسلحة ونصب صواريخ قصيرة المدة في كوبا للتعويض عن التفوق النووي الأميركي.
من فشل إلى فشل
واصل ليندن جونسون ما بدأه كندي بالغوص في مستنقع فيتنام، الذي أدى إلى مقتل 58 ألف أميركي وملايين الفيتناميين. احتاج ريتشارد نيكسون إلى خمس سنوات لإنهاء الحرب الفيتنامية. وفي حين أن تقاربه مع الصين والانفراج مع روسيا كانا نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا، فإن فضيحة ووترغيت دمرت رئاسته.
كان جيمي كارتر ضعيفًا، والغارة التي أمر بها لتحرير الرهائن الأميركيين في طهران، وباءت بالفشل في الصحراء الإيرانية في عام 1980 زادت عقدة فيتنام تعقيدًا. وفي حين كان رونالد ريغان يعتبر متشددًا، فإنه لم يدفع الاتحاد السوفياتي إلى الإفلاس تحت وطأة سباق التسلح، بل إن فشل النظام الشمولي وهشاشته كانا السبب في انهيار السوفيات من الداخل. لكنه أرسل قوات من مشاة البحرية إلى بيروت، حيث قُتل 241 جنديًا في عملية تفجير ضخمة استهدفت ثكنتهم.
في الوقت نفسه، غزا ريغان جزيرة غرينادا لأسباب منها منع الاتحاد السوفياتي من إقامة قاعدة جوية ولإنقاذ طلاب أميركيين يدرسون في الجزيرة. لكن المطار كانت تبنيه شركة بريطانية في إطار خطة قديمة لتشجيع السياحة. وقال مسؤول عسكري أميركي في البيت الأبيض إن الطلاب الأميركيين في غرينادا لم يكونوا في خطر.
من يدري؟
كان جورج بوش الأب من أكثر الرؤساء الأميركيين أهلية، لكنه لم يُنتخب لولاية ثانية. واحتاج بيل كلنتون إلى 78 يومًا لإجبار الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش على إنهاء قتل المسلمين في كوسوفو، في حين لو أنه لوّح باستخدام القوة لأمكنه إنهاء النزاع في ساعات.
بعد هجمات 11 سبتمبر، ظن جورج بوش الابن أن العالم سيكون أكثر أمانًا إذا فرض نسخة أميركية من الديمقراطية على الشرق الأوسط.
في أفغانستان، أصبحت العملية بناء دولة كاملة بدلًا من ملاحقة أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وبعد ستة عشر عامًا على التدخل في أفغانستان ما زال النجاح بعيد المنال. لكن هدف تحويل المشهد الجيوستراتيجي للشرق الأوسط هو سبب الكارثة التي أضرمت النار في المنطقة.
أراد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن ينهي حرب العراق السيئة، ويركز على الحرب الضرورية في أفغانستان. وأراد أن يهدد رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكنه لم يفعل شيئًا. وظن أوباما خطأ أن قصف ليبيا لحماية الثوار في بنغازي من قوات معمر القذافي سينهي العنف في هذا البلد. وبدلًا من ذلك، وقعت ليبيا في أتون حرب أهلية بعد إسقاط القذافي ومقتله. ومن يدري ماذا سيفعل دونالد ترمب!.
سياسة الردع
ثلاثة أسباب تصح على الرؤساء الأميركيين من الحزبين، وتفسر منذ رئاسة كينيدي السبب في كون سجل أميركا في الحروب واستخدام القوة هزيلًا، بحسب الباحث هارلان أولمان، في كتابه "تشريح الفشل: لماذا تخسر أميركا كل حرب تبدأها" Anatomy of Failure: Why America Loses Every War It Starts.
أولًا، إن الرؤساء الذين ينتخبهم الأميركيون لا يكونون مهيئين ومتمرّسين بما فيه الكفاية لأعباء منصبهم. ثانيًا، إن هذا أدى في جانب منه إلى تقديرات استراتيجية خاطئة. وثالثًا، إن نواقصهم كانت تزداد تفاقمًا بقدر كبير من عدم معرفة الظروف التي يُراد استخدام القوة فيها وعدم فهمها؛ إذ كانت إدارتا كينيدي وجونسون غير مطلعتين على ظروف فيتنام أو التوترات الكبيرة بين الاتحاد السوفياتي والصين الشيوعية.
قبل هجمات 11 سبتمبر، كانت قلة من الأميركيين تعرف شيئًا عن السنة والشيعة، والعراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، وهكذا دواليك.
المطلوب، بحسب الكاتب هارلان أولمان، هو مقاربة تستخدم العقل في التفكير الاستراتيجي، تدرك أن القرن الحادي والعشرين لا يُعامل بمعايير القرن العشرين التي لم تعد صالحة. وعلى سبيل المثال إن الردع النووي كان مجديًا في فترة الحرب الباردة. لكن اليوم، إذا لا توجد لدى روسيا مصلحة في غزو أوروبا الغربية، ولا يملك تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" جيوشًا وقوات بحرية، فسياسة الردع التي كانت متبعة في القرن العشرين لا تصلح في هذا القرن.
مع ذلك، ما لم يفهم الأميركيون أن الخبرة والكفاءة ضروريتان في رؤسائهم وقادتهم، فعليهم ألا يتوقعوا أن يكون المستقبل مختلفًا عن الماضي القريب.