يقول محمد الحمادي لـ «إيلاف» إن كتابه «خريف الإخوان» يبيّن حقيقة المتاجرين بالدين، ويعمل على إيصال صورة الوئام المجتمعي، الذي تتميز به دولة الإمارات بتكاتف أهلها ووحدة بيتها، ليؤكد أن الإمارات تنبذ الأفكار الشاذة.
إيلاف من الشارقة: وقّع المدير التنفيذي للتحرير والنشر في أبوظبي للإعلام ورئيس تحرير صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، الكاتب محمد الحمادي، الطبعة الثانية من كتابه «خريف الإخوان»، وذلك ضمن فعاليات الدورة الـ36 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.
... وسقطت الأقنعة |
منذ أن يبتدئ الحمادي كتابه، لا يغادر صفحة في مؤلفه إلا ويكشف فيها جوانب فاضحة خطرة تتعلق بالتنظيم السري للإخوان المسلمين في الإمارات، في مسعى إلى إسقاط الأقنعة عن وجوه المتسترين وراء الدين، مستعرضًا محطات «مرتبكة» من تاريخ تنظيم الإخوان المسلمين في دولة الإمارات العربية المتحدة.
يقول الحمادي لـ «إيلاف» إن كتابه يستعرض ممارسات التنظيم السري للإخوان المسلمين منذ ما يسمّى بـ«الربيع العربي» وقبل ذلك في الإمارات، تلك الممارسات التي أودت بهم إلى السجون، حيث يدفعون اليوم ثمن أفعالهم.
يكشف «خريف الإخوان» أن «اللاهثين وراء خديعة ووهم التغيير والمأسورين بإغوائها ووقعها الرنّان، كانوا يعملون في الخفاء وفي الظلام لتنفيذ مخططات وأجندات خارجية مشبوهة، ومن يعيش في الإمارات، يدرك أن زمن التغيير الحقيقي فيها بدأ في عام 2006، فمنذ ذلك العام والمواطن الإماراتي يعيش زمنًا مختلفًا عن كل الأزمان السابقة، ليس على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فحسب، ولكن كانت هناك تغييرات حقيقية على المستوى السياسي، فقد كان الجميع يستعد لأول انتخابات برلمانية في تاريخ الإمارات».
ويؤكد المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين، مع انطلاق تلك المرحلة الزاهية من التغييرات الإيجابية، كانت تبحث عن السلبيات لانتقادها، على الرغم من المؤشرات والدلالات المبهجة كلها لمسيرة التغيير، والتي وضعت الإمارات في مصاف الدول المتقدمة والساعية إلى تطوير رؤيتها المستقبلية، لافتًا إلى أن تحرّكها في الإمارات لإحداث بلبلة في الدولة والسعي إلى تغيير النظام القائم، جاء في البلد الخطأ، فكانت خسارته الفادحة.
بدايات مربكة
تحت عنوان «الضوء الأخضر قصة الإمارات والإخوان»، يؤكد الحمادي أن القيم الاجتماعية والسياسية لدولة الإمارات تتقبل الأفكار والرؤى المعتدلة والسوية القائمة على الحوار والشورى، وبحث الأخطاء وتجاوزها بحكمة وبصيرة وهدوء وصبر، «لكن ما قام به الإخوان من التهويل والمبالغة والعبث بهذه القيم كشف أنهم لا ينطلقون من رغبات وطنية شفافة ومخلصة، حيث كانوا ومنذ عشر سنوات يتواصلون وينسِّقون مع إخوان الخارج، ولم يتوقفوا عن تبادل التوجيهات والدعم المالي ومواصلة العمل السري، حيث كشفت محاكمة أعضاء التنظيم السري للإخوان في الإمارات عن ضيق أفقهم وسوء نواياهم، وعن محاولاتهم المدبّرة لشق الصف الإماراتي، والتي باءت بالفشل بعدما وقف أبناء البلد مع قيادتهم في نسيج نادر من الولاء والانسجام والتناغم القائم على هدف حقيقي، وهو إعلاء قيمة الوطن وحمايته من الفوضى والفتنة والعبث».
وبحسبه، ما أحسن إخوان الإمارات قراءة الواقع، فتتالت أخطاؤهم الفادحة، ونسوا أن الإماراتيين كانوا يتعاطفون معهم في البدايات على أساس أنهم أشخاص متدينون، همّهم الآخرة، وليس الدنيا، فاكتشفوا عكس ذلك، ساردًا بدايات الجماعة المربكة التي فضحت تنظيمها في الإمارات، خصوصًا بعد التغيرات العنيفة التي عصفت بتونس ومصر، واكتشف المخدوعون أن الدعاة والمشايخ أخفوا وراءهم عملًا سياسيًا مشبوهًا متصلًا بالخارج، وخصوصًا بتنظيم الإخوان في مصر.
فرسان للتخريب
يضيف الحمادي أن الذهول والاستغراب اللذين ظهرا على المتهمين بقضية التنظيم السري، يطرحان تساؤلات عدة حول طبيعة هذا التنظيم، ودور أولئك الأشخاص فيه، ومدى تورطهم، «فإما أنهم فعلًا لم يكونوا يدركون أنهم يعملون ضمن تنظيم بهذا الحجم، وهذا ما استبعده البعض، أو إن لديهم قدرة كبيرة على التمثيل ومحاولة إنكار ما هو مثبت عليهم».
يقول: «لا أحد كان يتوقع أن يكون بيننا من يفكر بطريقتهم، والربيع العربي الذي راهنوا عليه سرعان ما تحول إلى صيف حارق، أنشب ألسنة لهبه بأحلام الشباب الثوار في كل مكان»، مضيفًا: إن «فرسان التغيير هم الرجال المخلصون الذين بنوا هذا الوطن، وهم الذين يبذلون كل الجهود ليل نهار من أجل إعلاء شأن أوطانهم، وليس من أجل تغيير سطحي شكلي يقلدون فيه الآخرين، ويتبعون أجندات خارجية تحوّلهم إلى فرسان للتخريب».
فوضى فتاكة
الحمادي أمام نسخ من كتابه الجديد |
يتطرق المؤلف إلى وضع الإمارات الجماعة على رأس قائمة الإرهاب، لأنها أساس الإرهاب الذي نعيشه اليوم، «وهي البوتقة التي خرجت منها كل الجماعات الإرهابية التي تقتل باسم الدين الإسلامي الحنيف، فالإمارات بخطوتها التاريخية هذه تقول لدول العالم الكبرى إن عليها مسؤولية يجب أن تؤديها، إذا ما كانت جادة في القضاء على الإرهاب، لا أن تكيل بمكيالين، تدّعي أنها تحارب الإرهابيين، وفي الوقت نفسه تحتضنهم وتدعمهم، وهي تدري أو لا تدري، (...) ويكفي العالم نفاقًا سياسيًا، فقد دفع آلاف الأبرياء أرواحهم ثمنًا لمعايير العالم المزدوجة في التعامل مع الإرهابيين».
ويحلل الحمادي في كتابه المجتمع الإماراتي الذي لم يقبل التحزّب ولا التأدلج على مر تاريخه، «فلا القومية، ولا الشيوعية، ولا الليبرالية، تمكنت من أن تجد لها موطئ قدم دائمًا فيه، ولا فكر الإخوان المسلمين أيضًا، فأصبح للإماراتيين موقف سلبي ورافض لهم، موضحًا أن الأتباع والمريدين للأفكار المتطرفة هم فئة صغيرة، واللافت أن هذه الفئة الصغيرة تصغر أكثر مع مرور الوقت، فلا تجد لها أتباعًا ولا أعضاء جددًا، وهي حالة مختلفة عن مثيلاتها من المجتمعات المجاورة، ضمن ظاهرة إيجابية تحتاج تفكيكًا ونقاشًا وبحثًا موسعًا كي يستفيد منه الآخرون».
سقوط الأقنعة
كانت طبيعة التنظيم ودوره في توريط منسوبيه أحد الأسئلة التي أجاب عنها الحمادي تحت عنوان "التنظيم السري.. سقوط الأقنعة"، يحشد فيه حزمة من الأدلة عبر سرد يوميات محاكمة المتهمين، والتي كشفت بجلاء الممارسات التي اتبعوها للتشويش على العدالة، إلا أنه سرعان ما تساقطت حججهم فور مواجهتهم بالأدلة الدامغة التي كانت تفضحهم أكثر كلما توغلوا في الإنكار.
يجنح الحمادي إلى وصف الأدلة بالمؤلمة للمجتمع الإماراتي، مشيرًا إلى أن الجميع كانوا يأملون في أن يكون وجود مثل هذه الأشباح محض كوابيس، فمن يعيش في الإمارات لا يمكن أن يتوقع وجود أشخاص يفكرون بهذه الطريقة بين أهلها الذين تترسخ لديهم قناعات الاحتفاء ببناة الوطن ومؤسسيه وجهدهم، الذي لا يضاهيه أي ادعاء في بناء وطن شامخ، يحقق كل يوم رقمًا عالميًا جديدًا.
يركز الجزء الثاني من الكتاب تحت عنوان «الإخوان في المختبر: سقوط الأقنعة»، على مفاصل أساسية في حركة التيار الإسلامي الإخواني والنتائج الكارثية التي انتهجها، من خلال اختطاف التدين الشعبي والتكفير واستحلال دماء الآخرين والتورط في مؤامرات الإسلام السياسي، وتسييس الدين واستغلال العواطف وغسل العقول والترويج لحلم الخلافة، فاضحًا هذا المنهج الشيطاني القائم على الفوضى الفتاكة، والقتل والتخريب، ونشر الفتن والتفرقة والكراهية والتعصب الطائفي بين المجتمعات والأمم والشعوب.
تحت عنوان «اختطاف التدين الشعبي» يحلل الكاتب مفهوم التدين الشعبي الذي أصبح رائجًا مع صعود ظاهرة الإسلام السياسي، وتفرعت عنه مظاهر أرست مواصفات للتدين وللمتدين، هي ليست بالضرورة من شروط الإيمان. تلك المظاهر من التدين الشعبي أو القشوري غزت المساجد والبيوت والشوارع ودوائر العمل وباتت معيارًا مطلقًا في أعراف البعض للحكم على التزام هذا أو ذاك. وهي مغايرة لحقيقة الإيمان الموجود بشكل عام في المجتمعات.
ويبيّن الحمادي الحاجة إلى «منهجية عقلانية، تضع جموع المؤمنين أمام حقيقة أن دينهم هو ما قرّ في قلوبهم، وصدّقته أعمالهم، وقبلته فطرتهم.. ولن يعودوا إذاك مطية لأصحاب العقول والقلوب السوداء».
وتحت عنوان «الإسلام السياسي في الاختبار الحقيقي»، يقارن الكاتب بين مشكلة تيار الإسلام السياسي في تشكلاته الحزبية ومشكلة العمل الحزبي في الساحة العربية، منذ نشأته المعاصرة بعد خروج الاستعمار. لقد استعار، أكثر العقائديين العرب، أشكال العمل الحزبي من التجارب الأجنبية، الغربية الليبرالية والشرقية الماركسية، لكنهم ضخوا فيها كل الأمراض المستعصية المترتبة عن انغلاقات الهوية، ونزعات العنصرية، وشرور الأنانية، ولذلك بدت غالبية التجارب الحزبية عبارة عن كيانات هلامية وتصادمية في آن… يكفينا هنا أن نتذكر «الحرب الأهلية» بين جناحي البعث، أو الحرب الماركسية القبلية المدمرة في جنوب اليمن، أو ما آلت إليه تجربة الإسلام السياسي في العمل الحزبي، والتي أنتجت جماعات الإرهاب المسلح، التي تتكافر في ما بينها، وتكفر كل من يرفضها أو يقف في وجهها. إنه المختبر الفضاح للعقائد والأفكار، حينما تتواجه مع الواقع أو تتجاوزه».
مهما حاولت
يريد الحمادي من كتابه هذا أن يوضح الآتي: مهما حاولت الجماعات الدينية على مختلف أسمائها ومسمياتها وآلياتها ومشاربها وشعاراتها أن تسبغ على نفسها صفات الطهارة الدينية والإخلاص الوطني، ما عادت قادرة اليوم على تطهير نفسها مما لحق بها من دنس السياسة بسبب انغماس قادتها في مشروع تفكيك المجتمعات والأوطان والدول لحساب مشروع الشرق الأوسط الجديد بنسخته الأميركية.
العرب أوطان وليسوا أمة واحدة
أثناء توقيعه نسخة من كتاب "خريف الإخوان" |
فالحمادي يربط في كتابه بين حوادث الإرهاب في العالم والمنطقة، عارضًا لمصطلح «الحرب على الإرهاب» بعيد حوادث 11 سبتمبر الأميركية، التي كانت المنعطف التاريخي في التغيير العالمي والحرب على الإسلام السياسي.
في فصل بعنوان «أوطان العرب»، يتطرق رئيس تحرير الاتحاد الإماراتية إلى التباين العربي على مستوى الشارع وكذلك الحكومات. هذا التباين القديم والمستمر إلى يومنا هذا، الأمر الذي يجعل الكاتب يتساءل ما إذا كان العرب فعلًا أمة واحدة على الصعيد السياسي.
يستعرض الحمادي أحداث مفصلية عاشتها الأمة العربية، بينها مثلًا غزو صدام للكويت قبل أكثر من 25 عامًا - الذي قسم العرب بين مؤيد لذلك الاحتلال وبين من وقف في وجه صدام وقرر محاربته إلى أن تم تحرير الكويت، قبل ذلك كانت قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي لا تزال تحصد مواقف متباينة حتى يومنا هذا، وصولًا الى الربيع العربي الذي ثمة من أطلق عليه «ثورة» بينما اعتبره البعض «فوضى».
مثال آخر، إيران التي يعجز العرب عن إنتاج موقف واحد تجاهها، على الرغم من تدخلاتها المتكررة في شؤونهم، وانكشاف أمر تصديرها لثورتها، إلا أن العرب لا يزالون متباينين في تعاملهم معها، وهي التي تحتل منذ أكثر من أربعين عامًا جزرًا عربية وترفض إعادتها إلى الإمارات، وهي التي تضطهد الأقلية العربية في منطقة الأهواز. ويتساءل الحمادي: «هل فعلًا لا يزال العرب أمة واحدة، وهم يتباينون في مواقفم تجاه القضايا الرئيسة؟، يبدو أننا لم نعد نعيش في وطن عربي واحد، وإنما في أوطان عربية… على الأقل على الصعيد السياسي».
هل يخلع السلطان عمامته
يعرج الحمادي على سقوط «الإخوان المسلمين» في كل من مصر وتركيا. فمصر نجحت في إبعاد هذه الجماعة عن الحكم في العام 2013، وتلتها تركيا خلال انتخابات 2015 التي جاءت نتائجها على غير هوى رجب طيب إردوغان. فكانت سنوات حكم حزب العدالة والتنمية الثلاثة عشر كفيلة بتضخيم ملفاته عن خصومه الطبيعيين والمستجدين في الخارطة السياسية التركية.
ويتسم نهج حكم «الإخوان المسلمين» بصفات متشابهة حتى لو اختلفت البلد: ففي تركيا سيطرت نزعة انفرادية في الحكم تستعيد الشعار الشهير «أنا أو لا أحد»، وخضع القضاء للتطويع بغرض تقييد المعارضين، وحاولت الجماعة التأثير على دور الجيش صاحب الحضور القوي في الحياة السياسية التركية، وعمق حكم الإخوان مشاكل القوميات والأقليات في المجتمع التركي، وأبرزها مشكلة الأكراد. أما حال هذه الجماعة في مصر، فكانت مشابهة إلى حد كبير بحالهم في تركيا… نهج واحد يودي بهم إلى مزيد من الخسارات. يقول الحمادي: «يبدو أن خبرة الإخوان في حفر القبور جعلتهم لا يميّزون بين قبور خصومهم وقبورهم!».