: آخر تحديث

رقم واحد يا أنصاص؟!

4
3
3

مسكين من يتعلق بحبال الشهرة وتصير هي الأمل الوحيد والهدف الذي يسعى إليه باستمرار ولا يرى غيره سبباً حقيقياً لوجوده في عالم الأضواء، ومسكين من يجعل نفسه رقماً أياً كان هذا الرقم حتى ولو «نمبر وان»، فقد جعل الأرقام هدفاً يلهث خلفها ويعيش رهينة لها ويعمل المستحيل ليراه الناس من خلالها.

من عالم الفن تخرج أساطير لا نملّ من تأمل جمالها ورقيّها واحترامها لذاتها ولموهبتها وفنها، أساطير مثل السيدة فيروز التي مازلنا متأثرين بعظمة تواضعها يوم أرادت أن تظهر أمام الناس في وداع ابنها المبدع زياد الرحباني، ولكنها ظهرت متوارية لتترك للحدث وللحزن ولزياد كل المساحة ليتصدروا المشهد بينما تلتحف هي الصمت..

ومن عالم الفن تخرج نماذج لا نملّ من تأمل تخبطها ومحاولاتها المستميتة لتتصدر كل مشهد ولتثبت أنها هي الحدث وهي الحالة الاستثنائية التي لا تتكرر، نماذج مثل محمد رمضان الذي يقدم كل فترة أغنية ليس من باب الموهبة الفنية بل من باب تكريس «عظمة الأنا» التي يسعى من ورائها إلى إثارة الرأي العام وإشعال الجدل كلما توارت عنه الأضواء وغاب عن ساحة «الترند» وليس الساحة الفنية، يبدو أن الساحة الفنية لم تعد تشغل باله فهي مجرد باب يطل من خلاله ليحافظ على لقب الفنان وليقدم ما يجعله «نمبر وان» (بنظره وكما تقول له مرآته) دائماً، دون أن ينتبه إلى أن ما يفتعله يحمل دلالات كثيرة يقرؤها أي إنسان موزون وواع، فليس من الطبيعي أن يقدم أغنية في شهر يونيو الماضي يتسبب فيها بأزمة مع إحدى العائلات بسبب كلمات الأغنية، ثم يعود اليوم بأغنية يتفوق فيها على ذاته ببلوغه أعلى درجات التباهي بالأنا، فهل هذا غرور أو ربما يرى في نفسه ما لا يراه كل الناس فيقرر وصف نفسه بنفسه كي نفهم أنه مميز «مفيش واحدة محبتنيش.. مفيش زيي وزيي مفيش.. مفيش حد ميعرفنيش.. مفيش مني وزيي مجاش.. رقم واحد يا أنصاص.. أنا الشنب يا حريم..».

ما يقدمه ليس غناء، ماذا نسميه؟ كيف يكون مقبولاً الانحدار بالكلمات إلى هذا المستوى «أنا الشنب يا حريم»! ليس كل ما يخطر ببال المؤدي يمكن تحويله إلى أغنية فهناك حدود ومعايير وأخلاق يبدو أنها تسقط جميعها أمام الهوس بالترند!.

كثيرة الأغاني التي عرفناها وفي مطلعها تبدأ ب «أنا»، وأحدثها أغنية الكينج محمد منير «أنا الذي»، إنما شتان بين كلمات هذه وتلك، وشتان بين عظمة ما مر علينا من فنانين موهوبين بحق وعظمة كلمات أغانيهم وألحانهم، سواء كانت شعراً أو كلاماً عامياً بسيطاً، وبين جنون العظمة الذي يصيب البعض فيجعلهم أسرى هواجسهم، يفتعلون الأزمات ويثيرون الجدل ليتصدر اسمهم مواقع البحث فتكتمل أركان الغرور وتنفرج أساريرهم لأنهم أصبحوا بكبسة زر «نمبر وان».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد