في ظل الانتشار الواسع للأنظمة الغذائية المعقدة، وتعدد تطبيقات اللياقة واحترافيتها، حيث نرى باستمرار العديد من النصائح والتوجيهات لتمارين وممارسات رياضية، تغوص في أعماق التخصص البدني، وتحث على مهارات وتكنيكات كثيرة، نصبح معها في حيرة وجهد ذهني وبدني لمسايرتها وتطبيقها، وسط كل هذا ننسى أن بعض العادات البسيطة، تحمل تأثيراً كبيراً يفوق كل التوقعات، أكثر من تلك التمارين المرهقة المتخصصة. من أهم تلك العادات: المشي، فرغم أنه يعتبر نشاطاً يومياً بدهياً لا يتطلب معدات ولا اشتراكاً في نادٍ رياضي أو تطبيق احترافي، إلا أن أثره في الجسد والعقل، واضح ومتراكم من خلال الخبرات البشرية والدراسات العلمية، والتي لا تزال تنشر وتؤكد الفوائد العظيمة التي لا تقدر بثمن. والسؤال هل يمكن لنصف ساعة من المشي أن تغير يومنا؟ بل هل يمكن أن تغير صحتنا النفسية والجسدية على المدى الطويل؟ في دراسة طويلة الأمد نُشِرت عام 2019 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، توصّل فريق من الباحثين بقيادة الدكتورة إيان لي من جامعة هارفارد، إلى أن النساء اللواتي مشين بمعدل 4,400 خطوة يومياً فقط كان لديهن معدل وفيات أقل بنسبة 41% مقارنة بمن مشين أقل من 2,700 خطوة. كما لاحظ الفريق أن الفوائد استمرت بالزيادة حتى 7,500 خطوة يومياً، ثم بدأت بالتباطؤ، ما يعني أن الأثر الإيجابي لا يتطلب خطوات خيالية أو عدداً ضخماً منها يومياً، بل يتطلب انتظاماً بسيطاً. الدراسة اعتمدت على تتبع بيانات أكثر من 16,000 امرأة مسنّة على مدى سنوات، ما يمنحها قيمة علمية كبيرة يمكن أن يُعتد بها ويُعتمد عليها. وما تكشفه نتائج الدراسة أن التغيير لا يتطلب دائماً قفزات جذرية، فالمشي ليس مجرد تمرين بدني، بل لحظة استعادة ذهنية، وانفصال مؤقت عن ضوضاء الحياة وتفاصيلها الكثيرة. عندما ندمج هذه العادة في يومنا، فإننا لا نحسّن فقط من صحة القلب والمفاصل، بل نمنح عقولنا فرصة للتنفس والتأمل. وفي بساطة هذا النشاط، يحمل المشي توازناً جميلاً، فهو لا يتطلب جهداً عالياً، لكن يعطي عوائد صحية ونفسية وفكرية عميقة. وربما لهذا السبب قال لفريدريك نيتشه في كتابه الشهير: هكذا تكلم زرادشت: «كل الأفكار العظيمة تولد أثناء السير». www.shaimaalmarzooqi.com
السَّيْر يُولّد أفكاراً عظيمة
مواضيع ذات صلة