: آخر تحديث

من الرياض إلى واشنطن.. لا صفقات دون كرامة

1
1
1

حين يهبط الرئيس الأميركي دونالد ترمب في زيارته الأولى إلى السعودية في ولايته الثانية، لن يكون قادمًا إلى بلدٍ يبحث عن مجاملات دبلوماسية أو ابتسامات بروتوكولية، بل إلى أرض تعرف موقعها في المنطقة، وتدرك ثقلها الإسلامي والعربي، وتنتظر من شركائها الدوليين مواقف تُبنى لا على التصفيق، بل على الاحترام المتبادل والتفاهم الحقيقي.

الشرق الأوسط ليس ساحة لالتقاط الصور، بل بركان من الأزمات المشتعلة من غزة إلى سوريا، ومن السودان إلى لبنان، وكلها تنتظر من أميركا أن تكون جزءًا من الحل لا من التعقيد. هذه الزيارة، إن أحسن ترمب استغلالها، قد تكون فرصته الذهبية ليصنع فارقًا حقيقيًا، لا بالكلام، بل بالمواقف.

والسعودية، حين تستقبله، فإنها تستقبله وهي تحمل على كتفيها همّ الأمة، وعلى طاولتها ملفات فلسطين وحقوق شعبها، والتدخلات الإسرائيلية التي لم تعد تُطاق، وقضايا الاستقرار التي لم يعد السكوت عنها مجديًا. لا تحتاج المملكة إلى محاضرات، ولا تقبل أن تُعامل كأي دولة مر بها ترمب سابقًا وأطلق تجاهها عبارات مستفزة. هنا، في الرياض، تُقاس الكلمات قبل أن تُقال. وهنا، أيضًا، تُصنع الشراكات التي تبقى لا تلك التي تنتهي بانتهاء التصريحات.

عزيزي ترمب، حين تهبط طائرتكم على أرض المملكة العربية السعودية، فإنها لا تحط في مطار فحسب، بل على أرضٍ تحمل من التاريخ والرمزية والمكانة ما يجعل زيارتكم ذات وزن خاص، وأبعاد أكبر من البروتوكول. أنتم لا تزورون دولة كغيرها، بل بلدًا يشكّل عمقًا عربيًا وإسلاميًا، وركيزة للاستقرار في منطقة تعصف بها الأزمات. زيارتكم ليست فقط فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية، بل اختبار حقيقي لرؤية إدارتكم تجاه قضايا العرب، وتحديدًا القضية التي بقيت جرحًا مفتوحًا في وجدان الأمة.. فلسطين.

نكتب إليكم، لا لنُلقّن، بل لنُذكّر، بأن الشرق الأوسط لا يحتاج وعودًا جديدة، بل مواقف مسؤولة تصنع الفرق وتكتب التاريخ. فهل تحملون معكم هذا الإدراك؟

إقرأ أيضاً: ما بعد المليار.. كيف نعيد الأمل في امتلاك سكن للمواطن السعودي؟

في هذه الزيارة الأولى لكم إلى المملكة العربية السعودية، أنتم لا تخطون فقط نحو دولة، بل تتجهون نحو قلب العالمين العربي والإسلامي، ونحو بلد يحمل ثقلاً سياسيًا، ودورًا محوريًا في استقرار المنطقة وقيادة شعوبها نحو مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا.

نكتب إليكم هذه الرسالة وكلنا أمل أن تكون هذه الزيارة بداية لتفاهم أعمق وشراكة أوثق، لا تقوم على المصالح فحسب، بل على المبادئ التي تحترم الشعوب وحقوقها، وتنتصر للعدالة في وجه الاحتلال والعدوان.

إنَّ الشرق الأوسط يمر بمنعطف خطير، حيث تتداخل الأزمات، وتستعر الحروب، ويتضاعف الألم، وفي القلب من كل ذلك تقف قضية فلسطين، وما تعانيه غزة من حصار وعدوان متكرر، شاهدًا على حجم المعاناة. نأمل أن تحمل زيارتكم رسالة واضحة: أن أميركا تدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتدفع نحو حل عادل يُنهي هذه المأساة التي طالت لعقود، بدلاً من أن تكون شريكًا في معاناة شعب أعزل.

إقرأ أيضاً: أموال الظل تهدد أسواق العقار في السعودية

نأمل كذلك أن تراجع إدارتكم موقفها من تدخلات إسرائيل في سوريا ولبنان، التي تذكي نار الصراعات وتُفقد المنطقة توازنها. كما ننتظر موقفًا واضحًا منكم حيال الصراع في السودان، وألا يُترك شعبه فريسة لصراعات لا ترحم، تقودها أطراف لا تعبأ بمستقبل الدولة ولا كرامة الإنسان.

وعندما تلتقون خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اعلموا أنكم تلتقون بقيادة مختلفة، قيادةٌ تحظى باحترام شعبها وثقته، وتُمثّل روح المنطقة وثقلها. هذا البلد ليس كغيره، وأي تصرف أو تصريح غير محسوب لا يُنظر إليه هنا بخفة، بل يُقابل بوعي شعبي قادر على الرد، وبكرامة وطنية لا تقبل الإهانة. فاحترام هذه القيادة هو احترام لشعبها ومكانتها.

نقولها لكم بصراحة: السعوديون لا ينسون من يسيء لرموزهم، ولا يقبلون بأن يُعامل قادتهم بتجريح أو تهاون. الكلمة هنا لها وزن، والإيماءة تُقرأ، والنبرة تُحلّل.

إنها فرصة، فخامة الرئيس، أن تبرهن للعالم بأنك قادر على بناء جسور الثقة والشراكة، لا فقط على صفقات السلاح أو النفط، بل على قواعد الاحترام المتبادل، والرؤية المشتركة لعالم أكثر أمنًا وعدلاً.

إقرأ أيضاً: الاقتصاد العالمي في مواجهة العواصف

المملكة العربية السعودية ليست مجرد حليف.. إنها قاطرة الاستقرار في الشرق الأوسط، وأحد أكبر المحركات للاقتصاد العالمي، وشريك لا غنى عنه في مواجهة التطرف، وبناء المستقبل.

استخدم هذه الزيارة لبناء صفحة جديدة، تُذكَر لك، لا تُنسى عليك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.