عماد الدين حسين
سواء تم الوصول إلى تهدئة أو هدنة أو اتفاق بشأن قطاع غزة أم لا، وسواء هدأت الأمور في عموم الإقليم أم لا، فإن هذه المنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023.
أتحدث عن وقائع ملموسة على الأرض، وليس أمنيات أو عواطف، فقبل 7 أكتوبر كان الفلسطينيون يعيشون إلى حد ما بصورة نسبية معقولة جداً في قطاع غزة مقارنة بالوضع الحالي، صحيح أن إسرائيل كانت تحاصرهم إلى حد كبير، وصحيح أنها كانت تشن عليهم اعتداءات بين الحين والآخر، إلا أن ذلك كان ينتهي بعد أسبوع أو شهر أو شهرين بوساطة مصرية.
وبعد بدء العدوان بشهور تغير المطلب الفلسطيني إلى ضرورة إقناع إسرائيل بالعودة إلى حدود 7 أكتوبر 2023، ثم تضاءل هذا المطلب في المفاوضات الحالية التي تتوسط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، إلى ضرورة العودة إلى خطوط 2 مارس 2025، بعد أن أصرت إسرائيل على ضرورة الاحتفاظ بـ40 % من أراضي القطاع، والآن تتحدث عن احتلال كل القطاع، وبدأت عملياً خطوات ضم الضفة الغربية، وتطبيق خطة الحسم التي يطالب بها اليمين الإسرائيلي المتطرف منذ سنوات، وتهدف إما إلى قبول الفلسطينيين العيش كمواطنين درجة ثانية تحت السيادة الإسرائيلية، أو الرحيل، أو القتل.
قبل 7 أكتوبر كان بقطاع غزة مبانٍ ومنشآت يسكنها 2.2 مليون فلسطيني، الآن نحو 75 % من هذه المباني دمرت تدميراً كاملاً أو جزئياً، ولم يعد القطاع صالحاً للحياة لفترة طويلة.
قبل 7 أكتوبر كان حزب الله في لبنان هو اللاعب الرئيسي في لبنان، وهو من يقرر تفاعلات المشهد السياسي هناك، ويضع «فيتو» على اختيار رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، كانت لديه ترسانة من مختلف الأسلحة النوعية، خصوصاً الصواريخ، الآن تغير المشهد بالكامل، إسرائيل نجحت في توجيه ضربة شديدة لقدرات وإمكانات وموارد ومقاتلي الحزب؛ اغتالت الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، وكبار قادته وكوادره خصوصاً في «عملية البيجر» في سبتمبر الماضي، ثم وقعت اتفاقاً لوقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، يسمح لها باستمرار الاعتداءات طوال الوقت وألا يرد الحزب على ذلك، ثم إنها احتفظت بالعديد من النقاط والمواقع الاستراتيجية في جنوب لبنان.
والقضية الأساسية المطروحة للنقاش الآن هي نزع سلاح الحزب، وأن يعود حزباً سياسياً عادياً، كما أن الحزب لم يعد قادراً على التأثير في اختيار رئيس الدولة أو الحكومة، مثلما كان عليه الحال قبل 7 أكتوبر كما رأينا في عملية اختيار جوزاف عون أو نواف سلام.
الضربة الكبرى كانت تلك التي وجهتها إسرائيل إلى إيران في 13 يونيو الماضي، واغتالت خلالها كبار القادة العسكريين وكبار علماء البرنامج النووي، وتدمير جانب كبير من منظومات الدفاع الجوي ومخازن الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، ثم جاءت الضربة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية لتؤخر البرنامج النووي لفترة طويلة.
النتيجة شبه المبدئية حتى الآن لهذه التطورات أن ما كان يسمى بمحور المقاومة قد تعرض لانكشاف كبير بعد الضربات النوعية الإسرائيلية، وبالتالي صارت إسرائيل هي اللاعب الأساسي في المنطقة، ووصل الأمر برئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، للقول أكثر من مرة إن بلاده ستعيد رسم خريطة المنطقة من جديد.
إسرائيل ورغم الخلافات الداخلية الشديدة والانقسامات العميقة بين قطاعات عديدة فيها حققت إنجازات استراتيجية واضحة، وتكاد تقضي على فكرة حل الدولتين، بل وتهديد الوجود الفلسطيني نفسه، في ظل ضعف عربي غير مسبوق، وعجز وصمت وتواطؤ دولي، ودعم أمريكي غير مسبوق لإسرائيل.