تعريف الثقافة أمر صعب ومعقَّد، ولا يوجد تعريف شامل مانع لها. وتُعرَّف الثقافة الفردية بأنها معرفة شيء من كل شيء. وهذا تعريف قديم، وفي رأيي أنه غير دقيق، فمعرفة شيء من كل شيء تعني الحد الأدنى من الثقافة والمعرفة؛ ما يجعل الفرد غير مفيدٍ في تخصص ما لعدم إحاطته بجميع أسراره، بينما المتخصصون هم المرجعية في تخصصاتهم، بمعنى أنني من مؤيدي التخصص. أما تعريف الثقافة في الأمة، فيعني هويّتها، وتشمل المعتقدات والآداب والفنون والآثار والملبس والسلوك وعادات المجتمع، فحينما ترى شخصاً ما تستطيع في الغالب تحديد موطنه من خلال لباسه أو من خلال سلوكه.
السعودية تقيم منتدى للاستثمار الثقافي هو الأول من نوعه في المنطقة. وللأسف، فإن معظم حقوق المثقفين والفنانين ضائعة، بحكم عدم وجود حماية فكرية، وهذا لا يقتصر على المثقفين العرب، بل يشمل جميع مثقفي العالم؛ فقد مات معظم الأدباء والفنانين والمثقفين في العالم فقراء، وفي الدول العربية لولا رعاية الدول لماتوا فقراء، وقد تحسَّن الوضع مع قوانين الحماية الفكرية الجديدة.
في العالم العربي كثير من المظاهر الثقافية المهدرة، ومنها الآثار، وترجمة الإنتاج الفكري وتوزيعه، والاستفادة من نمط حياة معين، مثل الصحراء أو النهر وتسويقه، فالاستثمار في الثقافة رافد مهم من روافد الاقتصاد.
والعالم الغربي عرف كيف يسوِّق لثقافته؛ فقد وصلت إلينا الأفلام ونمط الغذاء السريع، حتى وصلت إلينا ثقافة «الجينز»، إلى آخر منتجات الثقافة الغربية، حتى أصبح معظم سكان العالم ينفقون مليارات الدولارات في سبيل الاستمتاع بمنتجات الثقافة الغربية. ومن طريف ما يُذكَر في هذا المجال أن كثيراً من زائري مدينة لاس فيغاس يُصوَّرون لدى لوحة كُتب عليها اسم المدينة. ولقد رأيت بأم عيني طابوراً ينتظر دوره في التصوير، على بساطة المثال، فقد استطاعوا تسويق هذه اللوحة العادية جداً في رأيي؛ فإذا كان هذا شأنهم في أمر تافه، فكيف سيكون شأنهم في تسويق المهم من ثقافتهم.
في العالم العربي لدينا قصور واضح في تسويق ثقافتنا التي لو اهتممنا بها وبتسويقها لأنتجت مليارات الدولارات، ولا أعرف سبباً وجيهاً جعلنا نهمل ثقافتنا بدلاً من أن نجعلها مصدراً من مصادر الدخل الداعم للناتج القومي.
منتدى الاستثمار الثقافي في السعودية الذي سيُعقَد في 29 و30 من الشهر الحالي بادرة أمل في تسويق ثقافتنا العربية، وجَعْلها رافداً من روافد الاقتصاد. أعرف أننا تأخرنا كثيراً في تسويق ثقافتنا وحماية مثقفنا، لكن البدء الآن في تسويق ثقافتنا قد يكشف لنا مصدراً منسيّاً من مصادر الدخل. ودمتم.