محمد سليمان العنقري
حققت معظم الأسواق المالية في العالم وبمنطقتنا أداء إيجابيا منذ بداية العام الحالي، بينما كان السوق المالي السعودي وتحديدا سوق الأسهم الجزء الأهم فيه معاكسا باتجاهه بين أسواق العالم بهبوط قارب 11 في المائة وقد حاول الكثير من المحللين من مؤسسات مالية أو مختصين، فهم هذا السلوك المفاجئ وغير المتوقع قياسا بقوة الاقتصاد الوطني والتوقعات بأن يحقق نموا في الناتج الإجمالي غير النفطي ما يفوق 4 في المائة ،الذي يعكس تأثيرا إيجابيا كبيرا على أغلب قطاعات سوق الأسهم.
فقد ربطت أسباب هذا الهبوط الذي صاحبه ضعف كبير بالسيولة وحالة من الملل لدى عموم المتداولين وحيرة من حقيقة الأسباب التي أدت لهذا الأداء السلبين فالبداية مع أثر رسوم أمريكا الجمركية على أكبر شركائها التجاريين؛ كالصين وأوروبا وكندا وغيرها، لكن الأسواق العالمية استوعبت هذا العامل، بل عوضت كل الهبوط الذي حدث مع بداية هذه الأزمة وحقق بعضها مستويات أعلى من مرحلة ما قبل الرسوم، ثم جاءت حرب إسرائيل - إيران القصيرة لتكون هي السبب الآخر الذي ربط به هذا الأداء الهابط، لكن حتى بعد انتهاء هذه الحرب ارتفعت عديد من أسواق المنطقة لمستويات عالية، بينما استمر سوق الأسهم السعودي بالهبوط، ثم أضيف للأسباب زيادة الاكتتابات وهبوط أسعارها فور إدراجها عن سعر الاكتتاب وكذلك اتجاه البعض للاستثمار بأدوات الدين كالصكوك على اعتبار أن عوائدها أعلى من السوق ومن أسعار الفائدة والمخاطرة بها شبه معدومة، إضافة لتذبذب أسعار النفط وميلها للانخفاض.
لكن بالمجمل مثل هذه الأسباب لا يمكن أن تكون مبررة لهذا الأداء، على اعتبار أن المستثمر ينظر لأعوام قادمة والتي تعني أن هذه الأسباب ليست مستدامة، على اعتبار أن أسعار الفائدة ستنخفض وهذا في صالح سوق الأسهم والاكتتابات ستمثل فرصا إضافية، بعد أن تستقر أسعارها.
إذا ما الذي يحدث بالسوق ويجعل المضاربين تحديدا يقللون من تعاملاتهم اليومية، فالمضاربة هي ملح السوق، كما أن البيوع من قبل المحافظ المدارة من قبل المؤسسات المالية بما فيها الصناديق تعني انسحاب مشتركيها، فلماذا تولدت لديهم نظرة سلبية رغم أن أساس تعاملهم مع السوق هو الاستثمار المتوسط وطويل الأمد والذي يقابله شراء الأفراد وكذلك شراء الأجانب.
فمحصلة التداولات بالسوق حسب التقارير الربعية تظهر صافي شراء وهي إشارة مهمة تعني أن هناك زيادة بالمراكز الاستثمارية، فالسوق فعليا يمر بموجة هابطة، لكن هدفها التجميع وليس الابتعاد عنه والتي تقوم على مبدأ ترك الأسعار وتأتي للمستثمر عند مستويات يحقق بها مكاسب أكبر بالمستقبل وبذات الوقت تمثل تحوطا مهما، كونها أقل من قيمتها العادلة حاليا ومستقبلا وهي الطريفة المعتادة عند مراحل التجميع بالأسواق المالية، فأغلب المستثمرين متوسطي الأمد والذين يتنقلون بين القنوات الاستثمارية بنظرون للسوق المالية على أنها فرصة باعتبار أن السوق الأكبر حجما وهو العقار يمر بمرحلة جديدة من خلال عديد من الإجراءات التي اتخذت للتركيز على توازن السوق وزيادة العرض وهي مرحلة بالتأكيد ينظر لها أصحاب الأموال التي تتنقل ببن القنوات الاستثمارية أنها للترقب، بينما سيفكر بعضهم بقنوات أخرى مثل سوق الأسهم.
سوق الأسهم تحديدا يحتاج لقراءته والنظر إلى الزوايا البعيدة عن أعين عموم المتداولين وعدم ربط هبوطه بأسباب ليست دقيقة، باعتبار أن أسواق العالم والمنطقة اشتركت بتعرضها لأغلب تلك الأسباب لكنها استوعبتها وحققت ارتفاعات كبيرة، مما يعني أن تحليل أسباب هبوط مؤشر السوق السعودي لها عوامل أخرى ومن أهمها أنه يسير من الأساس بدورة معاكسة للأسواق، مما يعني أن موجة الارتفاعات فيه ستكون بعد نهاية التمركز للمستثمرين وذلك عطفا على النمو الاقتصادي القادم، نظرا لوجود استحقاقات عديدة تدفع باتجاه نمو بأغلب قطاعات السوق المرتبطة بالنشاط المحلي.
حتى يكون السوق مقروءا بشكل أقرب للواقعية، فإن هناك فرصة للتطوير بأداء المؤسسات المالية باستقطاب عناصر أكثر كفاءة قادرة على جذب المستثمرين وتوضيح الفرص بالسوق ومقنعة بقدرتها على إدارة الأصول وكذلك نشر تقارير أكثر مهنية ودقة، إضافة لضرورة تحرك شركة تداول لتطوير جاذبية أدوات التداول لزيادة عمق السوق والمقصود به عمق السيولة، فما يحدث هو فرصة للتطوير الشامل بالسوق لدى كل أطرافه حتى يكون سوقا يحقق المستهدفات المعلنة بأن يكون من بين أفضل الأسواق العالمية منافسة بجاذبيته وحجم تداولاته.