: آخر تحديث

الرقابة الأبوية.. درع الحماية!

3
2
2

تغريد إبراهيم الطاسان

في زمنٍ لم تعد فيه الحدود التي تفصل بين الواقع والعالم الرقمي واضحة، أصبح حضور الوالدين في حياة أبنائهما الافتراضية ضرورة لا تقل أهمية عن وجودهما في حياتهم اليومية.

فالطفل في فضاء الألعاب الإلكترونية لا يحاط بتسلية بريئة فقط كما نظن، إنما هو يعبر إلى عالم واسع مليء بالفرص، لكنه محفوف أيضًا بمخاطر تحتاج إلى يقظة ووعي.

ومن هنا تأتي أهمية الرقابة الأبوية باعتبارها سياجًا يحفظ براءة الأطفال ويوجههم نحو الاستخدام الأمثل للتقنية.

إن تفعيل أنظمة الرقابة الأبوية ليس تقييدًا ولا حجرًا على حرية الأبناء، بل هو صمام أمان يتيح لهم الاستمتاع بألعابهم في بيئة نظيفة خالية من التواصل غير المرغوب فيه مع الغرباء، وبعيدة عن المحتويات السلبية التي قد تفسد عقولهم الناشئة.

وجودك كأب أو كأم إلى جانب ابنك، وأنت تتابع اهتماماته وتوجهاته الرقمية، يمنحه شعورًا بالأمان والثقة، ويؤكد أن حريته محاطة بحب ورعاية لا بفرض وقيد.

لقد أثبتت التجارب أن الخطر الأكبر الذي يهدد الأطفال في العالم الرقمي لا يأتي من الألعاب ذاتها، بل من النوافذ الخلفية التي تتيحها للتواصل.

كم من طفل فقد براءته بسبب كلمة جارحة أو سخرية في لعبة جماعية، وكم من آخر وجد نفسه في محادثة مع مجهول حمل له الإيذاء بدلاً من الصداقة؟!

ومع تفعيل الرقابة الأبوية يمكن اكتشاف هذه الممارسات مبكرًا والتعامل معها بحكمة، قبل أن تتحول إلى ندوب نفسية أو اجرامية طويلة الأمد.

وفي هذا الإطار، تجدر الإشادة بمبادرة الهيئة العامة لتنظيم الإعلام التي أطلقت حملة التوعية حول أهمية الرقابة الأبوية وتفعيل أنظمتها، مؤكدة على دور الوالدين كشركين في حماية أبنائهما من المخاطر الرقمية.

فهذه الحملة تعكس وعيًا مؤسسيًا راقيًا بأن التربية اليوم لم تعد تنحصر في جدران البيت أو المدرسة، بل امتدت إلى فضاءات الإنترنت التي تحتاج إلى توجيه وضبط.

إن هذه المبادرة الوطنية ليست مجرد دعوة نظرية، بل هي تحفيز عملي للآباء والأمهات على استخدام الأدوات المتاحة لهم، والاستفادة من التقنيات الحديثة التي تتيح التحكم بالمحتوى وضبط التواصل وتحديد أوقات الاستخدام. فهي بمثابة يد ممدودة من الدولة إلى الأسرة لتقول: لسنا شركاء في التنمية فقط، بل شركاء أيضًا في حماية الجيل الجديد من أي تهديد يمس أمنه النفسي والفكري.

وحين تتحول الرقابة الأبوية من مجرد إجراء فردي إلى ثقافة عامة مدعومة من المؤسسات، فإن أثرها يتجاوز البيت إلى المجتمع بأكمله. فالطفل الذي يكبر في بيئة واعية يدرك منذ صغره أن الحرية مسؤولية، وأن الأمان قيمة لا تُشترى، يصبح أكثر قدرة على حماية نفسه لاحقًا، وأكثر وعيًا في استخدام التقنية بشكل إيجابي يضيف له لا ينتقص منه.

ولذلك، فإن تفعيل أنظمة الرقابة الأبوية ليس واجبًا تربويًا فقط، بل هو التزام اجتماعي يضمن أن ينشأ الأبناء في أجواء متوازنة، تجمع بين متعة اللعب وفائدة التعلم، وبين الحرية والضبط، وبين العالم الافتراضي والواقع.

إنها مسؤولية مشتركة تبدأ من البيت وتتكامل مع الجهود المؤسسية، كما جسدتها مبادرة الهيئة العامة لتنظيم الإعلام التي تستحق كل تقدير وثناء.

فالطفل لا يحتاج إلى جهاز متطور بقدر ما يحتاج إلى والدين حاضرين بقلبهما وعقلهما، يصنعان له مظلة أمان تحميه وتوجهه.

والرقابة الأبوية ليست أداة سيطرة، بل لغة حب ورسالة اطمئنان تقول للابن: «نحن هنا لأجلك، لنفتح لك أبواب الأمان قبل أبواب الترفيه». إنها الخطوة التي تصنع الفرق وتمنح أبناءنا الطفولة التي يستحقونها، طفولة آمنة في عالم سريع التغير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد