: آخر تحديث

المنظمات وخيارات الذكاء الاصطناعي

3
4
5

في سباق الذكاء الاصطناعي، لم يعد السؤال محصوراً فيمن يملك النموذج الأقوى، بل بات: أي طريق ستسلك المنظمات قريباً؟ هل ستمضي نحو النماذج المفتوحة، حيث يمكن تنزيلها وتشغيلها كما يشاء المهندسون؟ أم تركن إلى النماذج المغلقة، التي تأتي محمولة على أكتاف عمالقة التقنية وتُمنح عبر بوابات برمجة محكمة الإغلاق؟

ليس الأمر ترفاً فكرياً، بل قرار استراتيجي يمسّ جيوب المنظمات وقلوب بياناتها. فالنموذج مفتوح الأوزان يمنح سيادة وتحكماً أكبر، لكنه يحمّل المؤسسة عبء التشغيل والحماية. أما المغلق، فيعِد براحة البال وخدمات مضمونة، لكنه يفرض ارتهاناً إلى طرف خارجي لا يُرى منه سوى الواجهة البرّاقة.

خذ مثلاً شركة ميتا التي قدّمت نموذجا (Llama 3.1) بترخيص مجتمعي. يبدو لأول وهلة مفتوحاً، لكن بنود الرخصة تحمل شروطاً واضحة: إذا تجاوزت منتجات المنظمة 700 مليون مستخدم نشط شهرياً، فهناك ترخيص آخر ينتظرك. وحتى مع هذا الانفتاح. وعلى الجانب الآخر تقدّم (Mistral) نماذجها تحت رخصة (Apache 2.0)، تمنح مرونة أوسع وتحريراً من كثير من القيود. هكذا يتضح أن كلمة "مفتوح" قد تحمل وجوهاً شتى، وعلى المنظمات أن تقرأ السطور وما بينها قبل أن تضع أقدامها.

أما إذا أدرنا وجهنا إلى عملاق الذكاء الاصطناعي التوليدي (OpenAI)، فسنجد قصة مغايرة. نماذجها، مثل عائلة (GPT)، لا تُتاح أوزانها، بل تُمنح عبر واجهات ربط (API)، هنا لا حاجة لإدارة الخوادم أو متابعة التحديثات الأمنية، فكل شيء يأتي جاهزاً. لكن في المقابل، تبرز أسئلة مقلقة: من يملك البيانات؟ كم ستكلف الرحلة على المدى الطويل؟ وهل يمكن مغادرة الميناء بسهولة إذا تغيّر المزود أو تغيّرت الشروط؟

ولا يكتمل المشهد من دون الحديث عن القانون. فابتداءً من أغسطس 2025، يدخل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي (AI Act) حيّز التنفيذ، فارضاً التزامات على مزوّدي النماذج: شفافية في التوثيق، اختبارات خصومية، وآليات للإبلاغ عن الحوادث. من يستعد مبكراً ويفتح دفاتره للرقابة قد يكون هو الفائز في سوق عابر للحدود.

إذن، ما الذي ينبغي فعله الآن؟ على المنظمات أن ترسم خريطة تربط بين حساسية البيانات ونوع النموذج، أن تحسب الكلفة الكلية للملكية، وأن تدرس بدائلها بعناية. وأن تتذكر دائماً أن الرخص المفتوحة تحمل بنوداً دقيقة لا تحتمل التساهل، وأن على أي عقد مع المزوّد أن يضمن حرية الانسحاب.

الخلاصة: الرابح ليس من يغلق الأبواب كلها ولا من يفتحها على مصاريعها، بل من يتقن فن التوازن: يضع قدماً في عالم الانفتاح ليحصل على المرونة، وأخرى في عالم الانغلاق ليضمن الامتثال والأمان بما يتناسب مع التشريعات. إنها معادلة استراتيجية دقيقة، وعلى المنظمات أن تتقن ملامحها قبل أن يبدأ الإطار التنظيمي العالمي في فرض إيقاعه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد