: آخر تحديث
حين تنتقل الحكاية من يده إلى يدها

سوزانا ميرغني تعيد كتابة الريف السوداني في "ملكة القطن" بصوت نسائي صافٍ

3
2
3

إيلاف من البندقية: في فيلمها "ملكة القطن" (Cotton Queen)، تنسج المخرجة السودانية سوزانا ميرغني حكاية من قلب الريف السوداني، حيث تعيش "نفيسة" في قرية تقوم حياتها على زراعة القطن. تجد الفتاة نفسها في مواجهة صراع بين إرث جدتها الراسخ ومشروع زراعي جديد قائم على بذور معدلة وراثيًا، لتغدو رمزًا لمقاومة التغيير المفروض على مجتمعها. العمل، الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان فينيسيا السينمائي، يمزج بين سحر الحكاية الشعبية وأسئلة الواقع المعاصر، ونال تصفيقًا حارًا من جمهوره. 
حول هذا الفيلم وتجربته، كان لنا هذا الحوار مع سوزانا ميرغني في "إيلاف" على هامش فعاليات مهرجان فينسيا السينمائي الدولي بدورته الـ82.

س: بدايةً، كيف تشعرين بكونك أول "ملكة" سودانية تصل إلى فينيسيا؟
ج: بالطبع، أشعر بفخر كبير وسعادة بالغة بوجودي هنا. لكن الأهم بالنسبة لي هو أنني نجحت في نقل قصة سودانية خالصة إلى مهرجان أوروبي عريق مثل فينيسيا وتقديمها إلى جمهوره.

س: كيف اشتعلت شرارة الفكرة؟ من أين بدأت حكاية الفيلم؟
ج: في قلب القصة هناك القطن، وهناك الفتاة “نفيسة”، وعلاقتها ليس فقط بالأرض بل أيضًا بالنساء في عائلتها، خصوصًا جدتها. في أفلامي عادة ما أحب أن أنظر إلى تلك الصناعات الكبيرة، الضخمة والعالمية، وأبحث عن تأثيرها على الحياة اليومية لفتاة صغير. أنا غادرت السودان عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، عشت في قطر في التسعينيات، وذكرياتي عن السودان دائمًا طفولية جدًا. لذلك تجد في الفيلم عناصر من الخيال، من الحكايات والأساطير.

س: بالمقارنة مع الفيلم القصير “الست” (2020) الذي كان بمثابة إثبات فكرة… ما التغييرات الأبرز في النسخة الطويلة؟
ج: في الفيلم القصير "الست"، “نفيسة” لم تتفوه بكلمة واحدة. أما في الفيلم الطويل فقد أردتها أن تتكلم، أن تغني، أن تكتب الشعر. أردتها أن تتمرد بالكلمات كما بالأفعال. أيضًا في الطويل توسعنا في الحكايات والعلاقات، ولم نعتمد فقط على الرمزية أو الإيحاء.

س: ذكرتِ أن هناك قضية أخرى كبيرة تظهر في الفيلم: البذور المعدلة وراثيًا.
ج: صحيح. أثناء البحث واختيار مواقع التصوير اكتشفت أنه لم يعد هناك قطن سوداني أصيل تقريبًا. كل شيء الآن مستورد ومعدل وراثيًا من الصين والهند والبرازيل. وهذا أمر ضخم لأنه يغير علاقة المزارع بالأرض؛ إذ يدخل “كيان تجاري” بينهما، ما يغير البنية الاجتماعية بأكملها.

س: ومن بين ما لفت الانتباه في الفيلم حضور النساء وقوتهن.
ج: بالفعل، ما أدهشني هو قوة النساء وصلابتهن في مواجهة هذه التحولات.

س: البعض رأى في فيلمك صدى لأدب الطيب صالح، خاصة موسم الهجرة إلى الشمال.
ج: نعم، الطيب صالح ألهمني. روايته تدور أيضًا في قرية صغيرة وسط بيئة زراعية، لكن تُحكى من منظور ذكوري. في Cotton Queen أردت أن أسرد البيئة نفسها لكن من منظور نسائي، حيث الصوت النسائي هو المركز.

س: واضح أن طفولتك تركت أثرًا عميقًا في أسلوبك السردي. كيف ساعدك الابتعاد عن السودان في رؤية المجتمع بوضوح؟
ج: صحيح، أقول دائمًا إنه من الجميل أن تكون جزءًا من المجتمع، لكن من المهم أيضًا أن تقف خطوة إلى الوراء لترى الأمور بشكل مختلف. ذكرياتي هي الأساس، لكنها غير موثوقة، لذلك أضيف عناصر من الخيال، من الواقعية السحرية، ومن الأدب.

س: البعض وصف الفيلم بأنه يمزج بين الروائي والوثائقي. هل هذا دقيق؟
ج: الفيلم روائي طبعًا، لكن مديرة التصوير فريدا مرزوق لديها أسلوب وثائقي، تحب الكاميرا المحمولة، تعمل بصمت ومن دون تدخل مباشر. أحببت أن أضيف لمسة من هذا الواقعية، جنبًا إلى جنب مع الخيال.

س: كيف ترين وضع السينما السودانية اليوم؟
ج: خلال السنوات الأخيرة لم يُنتج سوى فيلمين روائيين تقريبًا. المشكلة الأكبر أنه لا توجد صالات عرض في السودان؛ فقد دُمّرت خلال الحكم العسكري. بعض الأفلام يمكن مشاهدتها على "نتفليكس"، لكن هناك تحديات أخرى: الإنترنت، الكهرباء، الوصول. مع ذلك، لدي أمل، فبورتسودان اليوم منطقة آمنة نسبيًا، وسمعت أن هناك مجموعات شبابية تبني مجتمعات سينمائية صغيرة وتصور بكاميراتها. لذلك أؤمن أن الحرب لن تقتل السينما أبدًا.

س: كيف كان تفاعل الجمهور مع Cotton Queen؟
ج: الكثيرون قالوا إنهم تعرّفوا لأول مرة على حياة النساء في السودان، ورأوا وجوهًا سودانية على الشاشة. سألوني حتى عن ندوب الجدّة على وجنتيها. أحب أن أقدّم شيئًا جديدًا للجمهور، وأن أرى إعجابهم عندما يكتشفون تفاصيل ثقافتنا.

س: وماذا عن مشاريعك المقبلة؟
ج: أكتب الآن فيلمي القادم. مثل Cotton Queen الذي تناول صناعة القطن، سيكون أيضًا عن صناعة كبيرة أخرى، لكن من خلال عيون فتاة صغيرة. ما يهمني هو أن أرى كيف يمكن لقطاع ضخم أن يغير حياة شخص واحد أو عائلة واحدة أو قرية بأكملها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه