إيلاف من البندقية: ست سنوات تفصل تجربتها الروائية الثانية عن الأولى، فترة زمنية ليست بالقصيرة أبدًا، لكن المخرجة السعودية شهد أمين منذ انطلاقتها، وهي تميل لخلق عوالمها الخاصة، بكل تحدياتها، دون الاضطرار للانسحاق مع صراعات التواجد المستمر وشباك التذاكر وعدد الأفلام، هي فقط تريد أن تصنع ما يتخيله عقلها وتنجذب إليه أفكارها.
ففي فينيسيا هذا العام تعود شهد بفيلم "هجرة" الذي عرض ضمن "أضواء فينيسيا" في مشاركة هي الثانية لها بعد عرض فيلمها الروائي الطويل الأول "سيدة البحر" في "أسبوع النقاد"، والذي تقدم فيه قصة درامية بعيدة عن عوالم الفانتازيا التي كانت بمثابة علامة بارزة لتجاربها السابقة سواء طويلة أو قصيرة.
شخصية "ستي" رمانة ميزان "هجرة"
في مطلع حديثها مع "إيلاف" على هامش فعاليات المهرجان، تحدث شهد أمين عن فيلمها "هجرة"، والذي قضت في التحضير له أكثر من 5 سنوات، ما يُبرر غيابها الطويل منذ إجاز فيلمها الأول.
قالت المخرجة إن بذرة الفيلم ولدت مع تصوير "سيدة البحر"، حيث أضاءت فكرته في عقلها (فتاة تختفي في ظروف غامضة، وأسرتها تبحث عنها)، وبدأت بالفعل كتابة الفكرة بعد الانتهاء من فيلمها الأول، لكنها كانت تتخلص من كل تلك المسودات لأنها لم تصل للحبكة التي تريدها، فهي دائمًا ما تبحث عن الإسقاط المختلف في القصة.
أضافت شهد، أن كل شيء تغير بمجرد وصولها إلى شخصية "ستي" الجدة التي تؤدي شخصيتها في الفيلم الفنانة القديرة خيرية نظمي، هنا بدأت القصة بالنسبة لشهد، حيث أصبحت الجدة بأفكارها وشخصيتها هي محور الفيلم، التي تستطيع من خلال رحلتها هي التنقل في أكثر من منطقة سعودية، بل وتستطيع من خلالها إبراز التراث السعودي الواسع المدى والمميز من خلالها.
"أصبحت مهووسة به عندما وجدتها"، هكذا وصفت شهد شعورها باللحظة التي وجدت فيها مدخل الفيلم، خاصة أنها حققت به حلم قديم عندها وهو إدخال رحلة الحج في عمل سينمائي، نظرًا لأنها ترى أن الحج هي رحلة يخوضها جميع البشر بمختلف معتقداتهم، للوصول إلى لحظة "التوبة" وتخلص الإنسان من كل ما يحمله على عاتقه، الرحلة التي كانت تثق أنها ستلامس الجمهور العربي والعالمي على حد سواء.
الجدة والحفيدة
وعن اختيار الممثلين، قالت شهد إنها تحب اختيار ممثليها بعناية كبيرة، بل وتبحث فيهم عن أشياء محددة تتناسب مع أفكارها وأسلوبها، وذلك ما جعلها مترددة للغاية في اختيار خيرية نظمي لدور الجدة، خاصة أنه شاركت في كثير من الأفلام السعودية في السابق، وكانت كل أدوارها لا تتناسب مع رؤية شهد الإخراجية، ولكن بعدما فترة طويلة من البحث وعدم إيجاد بديل قررت التحدث إليها واختبار الوضع، لكنها فاجأتها.
قالت شهد: "خيرية، أريد أن أشكرها كثيرًا، هي سيدة تكبرني سنًا وخبرة، ومع ذلك جاءت إليّ لتتعلم مني، لم ترفض أبدًا أي توجيه، لم تشعر بأي غضاضة من الملاحظات، فعلت كل ما بوسعها لتقدم الدور كما أريد تمامًا، أنا حقًا فخورة بها وبالتعاون معها".
أما لمار فادن الحفيدة الصغرى، والمرافقة للجدة في رحلة البحث عن شقيقتها المختفية قالت هند: "أوه لمار لها قصة عجيبة، لقدد سحرتني! نعم لقد سحرتني، كنت في مهرجان البحر الأحمر السينمائي قبل عامين تقريبًا، فجأة ظهرت أمامي مع شقيقتها الكبرى، لم أفكر لحظة في الذهاب والتحدث إليهما، كل منهما لم تستوعب من أنا، حتى عرفتهم بنفسي، كان اقتحامي لخصوصيتهما مفاجئ لهما، لكنني بالفعل لم أستطع مقاومة ملامحها".
أوضحت: "ملامح عربية جدًا وآسيوية جدًا. لون مميز، وجه مرسوم، يمكنك الاعتماد عليه في أدوار كثيرة، والمفاجأة أنها موهوبة بالفعل، كان لديها خبرة بسيطة في التمثيل، ولكنها كانت ماهرة لدرجة أنها تستمع إلى التوجيهات وتنفذها باحترافية نادرة، استحقت عليها الإشادة".
عن صعوبة الكتابة وصناعة الأفلام
بررت شهد أمين في حوارها مع "إيلاف": "لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة لي، فأنا أتمنى أن أكون من المخرجين النشطين الذين ينجزون فيلمًا كل عامين، لكن الواقع مختلف. أصعب ما في الأمر أن أجد قصة أعشقها وأكون مستعدة للتضحية من أجلها لسنوات. الوصول إلى يوم التصوير الأول يحتاج إلى صبر طويل، ولو افتقد المخرج لطول البال، فلن يتمكن من إنجاز أي فيلم."
التحدي الأكبر في "هجرة"
تطرقت شهد في حديثها إلى التحدي الأكبر الذي واجهها في فيلم "هجرة" وقالت إنه لم يكن اختيار الممثلين ولا كتابة القصة، بل التنفيذ كما تريد، حيث كانت من اللحظة الأولى تريد التصوير في أماكن كثيرة، لإبراز معالم المملكة، لكن أغلب من التقت بهم لتمويل الفيلم رفضوا ذلك، واقترحوا عليها التصوير في أماكن أقل، الأمر الذي رفضته تمامًا.
علقت شهد: "إما أن تكون رحلة حقيقية في أماكن مختلفة إم فلا"، موضحة أنها ظلت لسنوات تبحث عن مواقع التصوير المناسبة، واصفة الأمر بأنه مرهق جدًا، ولكنه ممتع جدًا، مضيفة: "في رأيي ذلك ما يميز السينما، أن تكتشف ما لم يكتشفه أحد من قبلك، سواء كانت قصة أو مكان أو زاوية خاصة بحكايتك، أنا أعشق ذلك التحدي".
"هجرة"
الفيلم يصوّر رحلة جدة مع حفيدتيها في عام 2001، تبدأ من الجنوب إلى مكة، ثم تتحول إلى رحلة بحث بعد اختفاء الحفيدة الكبرى، لتكشف الطريق عن أسرار عائلية وذاكرة منسية تعكس تنوع السعودية الثقافي والإنساني. صُوِّر العمل في ثماني مدن سعودية بينها جدة والعلا ونيوم، وهو من بطولة خيرية نظمي، نواف الظفيري، والوجه الجديد لمار فادن، مع ظهور براء عالم كضيف شرف.