: آخر تحديث

"باربي المملة"... لماذا يثير ألبوم تايلور سويفت كل هذا الجدل؟

2
2
2

آخر مرة قابلنا فيها تايلور سويفت، كانت في حالة انهيار. فألبومها السابق "قسم الشعراء المعذَّبين" (The Tortured Poets Department) لم يكن سوى عملية تطهير عاطفي، أو بالأحرى تشريح علني لآثار انفصالين مريرين وفوضويين.

حينها رأيناها في أدنى مستوياتها: تبكي وهي تتمرن في صالة الرياضة، وتشعر بالغضب لأنها أهدرت سنوات شبابها في علاقة استمرت ستة أعوام مع الممثل البريطاني جو ألوين، انتهت إلى العدم.

من هي النجمة العالمية تايلور سويفت التي وصل الهوس بها إلى اليابان؟

الأمير ويليام: سأُغيّر في النظام الملكي عندما أصبح ملكاً

اليوم، وبعد ثمانية عشر شهراً فقط، تعود سويفت بصورة مغايرة كلياً. من هي النجمة العالمية تايلور سويفت التي وصل الهوس بها إلى اليابان؟ الأمير ويليام: سأُغيّر في النظام الملكي عندما أصبح ملكاً.

ولد ألبومها الجديد خلال لحظات مسروقة أثناء جولتها العالمية "حقبات" (The Eras Tour) التي حطمت الأرقام القياسية، ويظهر نجمة البوب البالغة من العمر 35 عاماً وهي في قمة السعادة، مفعمة بالطاقة، وتعيش قصة حب جديدة مع نجم كرة القدم الأمريكية ترافيس كيلسي.

وقالت سويفت في ظهورها الشهر الماضي عبر بودكاست "المرتفعات الجديدة" (New Heights) الذي يقدمه كيلسي: "هذا الألبوم يحكي ما كان يجري خلف الكواليس في حياتي الخاصة خلال هذه الجولة، التي كانت مليئة بالبهجة، مشحونة بالطاقة والحيوية".

ولكي تلتقط هذا الزخم، لم تتعاون هذه المرة مع شريكها الفني الدائم جاك أنتونوف - الذي ميّزت لمساته صوت ألبوميها "منتصف الليالي" (Midnights) و"قسم الشعراء المعذَّبين" (The Tortured Poets Department) - بل استعانت بعملاقي البوب السويديين ماكس مارتن وشيلباك، اللذين سبق أن صنعا معها نجاحات كبرى مثل أغنيتي "نحن لن نعود لبعضنا أبداً" (We Are Never Ever Getting Back Together) و"عرفت أنك مشاغب" (I Knew You Were Trouble).

أما الهدف، كما أوضحت سويفت، فكان إنتاج ألبوم مكثف ومباشر مليء بـ"الضربات الموسيقية"، "بألحان معدية لدرجة تجعلك تكاد تغضب من قوتها".

بعد هذا التمهيد… هل يشكّل ألبومها الجديد "حياة فتاة استعراض" (The Life of a Show Girl) انتصاراً مبهراً يلمع كالأحجار الكريمة، أم إخفاقاً مدوياً على خشبة الاستعراض؟

لندخل في صلب الموضوع: إنه انتصار.

إنه مزيج من كتابة أغنيات آسرة وإنتاج ذكي وسريع الإيقاع، يتجاوز بسهولة السقف العالي الذي وضعته سويفت لنفسها.

لكن الجمهور الذي ينتظر عودة إلى أسلوب "البوب" المبالغ فيه على غرار ألبومي "أحمر" (Red) و"1989" قد يُفاجأ. فالموسيقى الجديدة لسويفت تبدو أكثر هدوءاً واتزاناً مقارنة بتعاوناتها السابقة مع ماكس مارتن؛ إذ تستلهم من الأجواء الصوتية لأحدث نجاحاته مع ذا ويكند (The Weeknd) وأريانا غراندي (Ariana Grande). ومع ذلك، لا تحتوي أي أغنية في الألبوم على حشو زائد.

بمدّة لا تتجاوز 41 دقيقة، يُعد ألبوم "حياة فتاة استعراض" (The Life of a Show Girl) الأقصر في مسيرة تايلور سويفت منذ انطلاقتها الأولى عام 2006؛ وهو عمل مكثّف ودقيق يُشكل نسمة انتعاش بعد الحشد المترهل من الكلمات في "قسم الشعراء المعذَّبين" (The Tortured Poets Department).

من حيث المضمون، تسير كلمات سويفت الجديدة في خطين واضحين.

فنصف أغنيات الألبوم الاثني عشر تتناول حالة الوقوع في الحب بكل جنونه وسذاجته واندفاعه. أما النصف الآخر، فيغوص في الجانب المظلم من الشهرة وما يختبئ خلف بريقها.

وعلى امتداد الألبوم، تلمع صور بلاغية آسرة: كراقصة برلسك تتوهّج كجمرة سيجارة تلفظ أنفاسها الأخيرة، أو ناقد لاذع يُشبَّه بكلب "تشيواوا" صغير يطلق نباحه من داخل حقيبة يد.

وفي موضع آخر- وأكاد لا أصدق ما أقول - خصّصت سويفت أغنية كاملة تعجّ بإيحاءات مستوحاة من ألعاب الطفولة.

كان جمهور سويفت يعتقد أن أغنية "مصير أوفيليا" (Ophelia's Fate) ستسرد قصة المرأة النبيلة في مسرحية شكسبير، التي غرقت بعدما أصابها الجنون من شدّة الحزن.

لكن سويفت سلكت اتجاهاً مختلفاً؛ إذ تغني عن نجاتها من هذا المصير بفضل حبيبها ترافيس كيلسي، في أغنية بوب مرحة مليئة بتلميحات عن علاقتهما، مثل الإشارة إلى فريقه كانساس سيتي تشيفز (Kansas City Chiefs)، والرقم 100 (الناتج من جمع رقم قميص كيلسي 87 مع رقم حظها المفضل 13).

وتقول: "سمعت نداءك عبر مكبّر الصوت"، في إشارة إلى اللحظة التي بدأ فيها ارتباطهما عندما أعلن كيلسي إعجابه بها علناً في بودكاسته صيف 2023. وتضيف: "لو لم تأتِ من أجلي، لكنتُ غرقت في الحزن".

أما من الناحية الموسيقية، فتضيف الأغنية لمسة لطيفة عبر إطالة الميزان في نهاية بعض الجمل، وكأن سويفت تتعمد البقاء داخل اللحظة لأنها غارقة في المشاعر.

هذا النوع من التفاصيل الدقيقة يتكرر في الألبوم بأكمله، وهو ما يجعل الاستماع إليه ممتعاً للغاية.

يستمر الخط الرومانسي في أغنية "أوبالايت" (Opalite)، التي تأتي بأوتار خفيفة متناغمة شبيهة بتناغمات فرقة "آبا" (ABBA)، لتصوّر مشاعر الحب وهي تتفتح.

وفي أغنية "قائمة الأمنيات" (Wish List) تعلن سويفت بوضوح أنها لا تسعى وراء الجوائز والأوسكارات مثل غيرها من نجوم هوليوود، بل تفضّل حياة عائلية هادئة مع شريكها. وتغني قائلة: "هم يريدون سعفة كان الذهبية وأوسكار يضعونه في حمامهم، أما أنا فأريدك أنت"، ثم تضيف مازحة: "مع طفلين وصديق أراه في غاية الجاذبية".

أما أغنية "وود" (Wood) فهي الأكثر إثارة للانتباه، إذ جاءت كأغنية راقصة بنغمات سريعة تتخللها لمسة من غيتار "جاكسون فايف" (Jackson 5). فكرة الأغنية تقوم على اللعب بالكلمات: فهي تتفاءل بـ"طرق الخشب" كي يستمر حبها مع كيلسي، وفي الوقت نفسه تشير بشكل جريء إلى رجولته. خفة الدم والمفاجأة في الأغنية تجعل المستمع يضحك من غير توقع.

ثم نصل إلى أغنية "رومانسي فعلاً" (So Romantic)، وهي أغنية ساخرة توجهها سويفت إلى نجم بوب آخر (لم تذكر اسمه) وصفها بأنها "باربي مملة" وكتب أغنيات يهاجمها فيها. ترد سويفت عليه فوق إيقاع غيتار خشن وطبول قوية بذكاء وسخرية، فتغني: "قد تبدو كلماتك قاسية، لكنها تجعلني أشعر وكأنك تغازلني… كل هذا الجهد الذي تبذله ضدي، هو في الحقيقة رومانسي".

وتتابع سويفت خط المواجهة في أغنية "القدوة الأبوية" (Father Figure)، التي تروي قصة تلميذ خان أستاذه، وتقتبس فيها من أغنية جورج مايكل الشهيرة بالاسم نفسه. جمهورها سيحاول حتماً معرفة من المقصود، لكن الأغنية تبدو في جوهرها أقرب إلى حكاية عن شخصية نافذة في عالم الموسيقى، لديها سلطة إسقاط أي فنان لا يبقى "وفياً للعائلة".

ومع ما تحمله الأغنية من موسيقى أوركسترالية سينمائية وتغييرات مفاجئة في الألحان، تضاف إلى قائمة سويفت المتنامية من أغاني الانتقام مثل "لا جثة لا جريمة" (No Body, No Crime)، و"دم فاسد" (Bad Blood)، و"اللعنة الانتقامية" (Vigilante Shit).

أجمل أغاني الألبوم هي أغنية عاطفية هادئة بعنوان "تدمير الصداقة" (Friendship Ruined).

فيها تعود سويفت بذاكرتها إلى أيام المراهقة في مدرستها الثانوية بولاية تينيسي، حيث أحبّت زميلاً لكنها أبقت مشاعرها حبيسة "منطقة الصداقة"، مكتفية بالقرب منه بينما كانت تتمنى قبلة واحدة فقط.

تبدأ الأغنية برقة وحنين، ثم تنقلب إلى لحظة حزينة حين تتلقى سويفت اتصالاً من صديقتها المقرّبة أبيغيل، تخبرها بوفاة ذلك الزميل القديم. عندها تسافر ليلاً لتشارك في جنازته. وفي ألبوم يغلب عليه الفرح والرضا، يضاعف هذا المشهد من وقع الحزن والندم على المستمع.

ويُختتم الألبوم بأغنية "حياة فتاة استعراض" (The Life of a Show Girl)، وهي دويتو مليء بالحيوية مع سابرينا كاربنتر (Sabrina Carpenter). الأغنية لا تكتفي بالاحتفاء بالنجومية، بل تكشف جانبها القاسي كحكاية تحذيرية، عبر إيقاعات تشبه طرقات أحذية الرقص وتغييرات لحنية صاخبة، بينما تتبادل سويفت وكاربنتر الغناء عن منافسة لا ترحم في الوسط الفني.

وتغني سويفت:

"كل الصور على جدران قاعة الرقص تعود لأولئك اللواتي يتمنين موتي سريعاً"،

قبل أن تختم بجملة لاذعة:

"لكنني الآن خالدة يا صغيرتي".

هذا المقطع يستدعي إلى الأذهان أغنيتها الشهيرة عام 2017 "انظُر ماذا جعلتني أفعل" (Look What You Made Me Do)، التي كتبتها في أصعب مراحلها بعد خلافها مع كانييه ويست، حين غنت: "تايلور القديمة لا تستطيع الرد على الهاتف… لماذا؟ لأنها ماتت".

أما اليوم، في عام 2025، ومع نجاحها الطاغي، بات بوسع سويفت أن تعلن بثقة أنّ مكانتها في تاريخ موسيقى البوب أصبحت مضمونة.

إن ألبومها "حياة فتاة استعراض" (The Life of a Show Girl) ليس مجرد ألبوم جديد، بل هو جولة انتصار مستحقة في مسيرة تايلور سويفت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه