تبرع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالدم لم يكن مجرد مبادرة إنسانية، بل مثّل ممارسة تواصل استراتيجي متكامل، تحمل في طياتها أبعاداً رمزية إعلامية وصحية. نتناول اليوم الحملة من منظور التواصل الاستراتيجي، ونستعرض أركان الخطة الاتصالية وأثرها في مضاعفة أعداد المتبرعين وضمان توفر الدم في بنوك الدم الوطنية.
نظراً لكون الحملة صحية تستهدف رفع الوعي والتأثير على السلوك، لابد من الاعتماد على نظريات التواصل المناسبة، ووفقاً لنظرية "القدوة الرمزية" (Symbolic Role Modeling)، يميل الأفراد إلى تقليد الشخصيات المؤثرة اجتماعياً، لذا شكل تبرع القائد الرفيع نموذجاً رمزياً يُحتذى، وأمسى قدوة مباشرة جعلت المواطنين يشعرون أن التبرع واجب وطني يشاركهم فيه قائدهم، أيضاً لم يُقدَّم التبرع بالدم باعتباره إجراءً طبياً فحسب، بل كفعل وطني يعكس قيم التضامن والتكافل، هذا التأطير المخطط له واعتماداً على نظرية التأطير (Framing Theory)، جعل الرسالة أكثر قرباً للمجتمع، كونها ارتبطت بموروث ثقافي وديني يثمّن العطاء ومساعدة الآخرين.
ومع وجود أهداف استراتيجية واضحة لوزارة الصحة لإطلاق الحملة، ضمن استراتيجية وطنية لتأمين إمدادات الدم، وتحقيق المستهدفات الصحية وفق رؤية المملكة 2030، صيغت الأهداف الاتصالية للحملة، أما الرسائل المركزية للحملة، فكانت كانت واضحة: "التبرع بالدم واجب إنساني ووطني"، و"القيادة تشارك فيه". هذه البساطة والوضوح جعلت الرسالة مفهومة وسهلة الانتشار.
حُدد الجمهور المستهدف بجميع المواطنين والمقيمين، مع تركيز خاص على فئة الشباب، الذين يشكلون الأغلبية السكانية، وبالطبع وجود ولي العهد –الشخصية الشابة– عزّز من قوة الرسالة لدى هذه الفئة.
ثم اختيار القنوات المناسبة في وسائل الإعلام التقليدي والرقمي، وبالذات منصات التواصل الاجتماعي، والتركيز على قوالب الصور والمقاطع المرئية، وهي الأكثر قدرة على إقناع المتلقي وتحفيزه للسلوك.
مع نشر وكالة الأنباء السعودية لخبر تبرع سمو ولي العهد بالدم في مدينة نيوم، انهمر سيل عرم من تبرع الوزراء ورؤساء الجهات الحكومية وقادة الرأي والمشاهير بالدم، اقتداءً بسموه، مما حفّز تصاعد أعداد المتبرعين، ثم بعد أيام نُشر خبر موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح عدد من المواطنين والمقيمين ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية لتبرعهم بالدم خمسين مرة، الأمر الذي عزز من انتشار وعمق الحملة.
ولم تغفل الجهة المنظمة للحملة وهي وزارة الصحة، التفاعل مع المجتمع، عبر توفير 185 مركزاً للتبرع بالدم في مناطق المملكة، ثم الإعلان عن تضاعف أعداد المتبرعين بالدم بعد الحملة أربع مرات!
تبرع سمو ولي العهد بالدم جسّد ممارسة مثالية لتواصل القادة في التواصل الاستراتيجي، حيث التقت الرمزية القيادية مع الرسالة الاستراتيجية الواضحة والأدوات الإعلامية المؤثرة، والنتيجة مضاعفة أعداد المتبرعين وتوفر الدم لتعزيز الأمن الصحي. وهي درسٌ في توظيف الرموز الوطنية في حملات الصحة العامة لتعزيز الوعي، وتحفيز السلوك الإيجابي المستدام.